بقلم عقل العويط
“خلصت الحفلة. خدني لعندك يا جدّي. المجنون إلو حقّ يحاكم العالم. الطيّارات رماديي متل الترغلي. انفجار القنابل فضّي بلون الشمس. ناس بالخنادق، ناس بالبارات. العدالة كرتون، الحرية كذب. صار الحبس كبير، وكلّ حكم بالأرض باطل. حَلُّو يطلع الضوّ. كاسك يا جدّي” (من مسرحية “لولو”).
هل أصدّق كلام الأخوين رحباني في مسرحيّة “لولو”، مرسلًا بصوت فيروز الرؤيويّ؟ هل أستطيع أنْ أصدّق هذا الكلام، وخصوصًا الآن، وهنا، وفي فلسطين، وفي العالم؟ لا سيّما في العالم المسمّى حرًّا؟
الحقيقة شيء، يا عزيزي عقل، أمّا ما لا تصدّقه وما لا تستطيعه… فشيءٌ آخر. شيءٌ آخر تمامًا. يجيبني المجيب، مردفًا: يا للعار الذي يتمرّغ فيه الكون.
أفظع ما في هذا الكلام، كلام الأخوين بصوت فيروز، وخصوصًا بصوت فيروز، أنّه صحيح إلى حدّ الفضيحة الكونيّة.
ما هي الفضيحة الكونيّة؟ هي أنّنا نعيش في كذبةٍ مطلقة تُدعى الحرّيّة والحضارة الإنسانيّة. أيّ حرّيّةٍ هي هذه الحرّيّة، وأيّ حضارةٍ هي هذه الحضارة، عندما تكون المذبحة المفتوحة مفتوحةً في كلّ مكان، في كلّ بلاد، في كلّ قرنة، في كلّ خيالٍ وعقل. وفي كلّ إنسان. من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب. ومن أبعد صقعٍ في الشمال إلى أبعد صقعٍ في الجنوب.
باطلٌ هو الجنس البشريّ برمّته. ومطلقًا. وأينما كان. وكائنًا من يكن مندوبه ورمزه والناطق باسمه.
بكبسة زرّ، بغمزة، بصفقة، بهلوسةٍ جنونيّة، بمرضٍ فصاميٍّ عظاميّ، بجشعٍ كبريتيٍّ مقيت، وأيضًا “بإشارةٍ” ما فوق بشريّة (كي لا أستخدم تعبيرًا دينيًّا أو “إلهيًّا”)، في مقدور أيّ مجرم، أيّ قاتل، أيّ “هتلر”، أيّ رئيس، أيّ ديكتاتور، أيّ حامل ساطورٍ وسلاح، أيّ مبعوثٍ “شيطانيّ”، أو أيّ ناطقٍ باسم معتقدٍ وحزبٍ وخرافةٍ وأسطورةٍ ودين، أنْ يفتح “الحفلة”، حفلة الدم، على آخرها، حتّى آخر نقطة وحشرجة. وباسم ماذا؟ باسم الحضارة والحرّيّة والعدالة والحقّ والمساواة والأمن والرفاه والرخاء والرقيّ و… السلام. وهلمّ.
الأنظمة فاسدة. الديموقراطيّات فاسدة. تطبيقات المعتقدات الدينيّة فاسدة. العالم فاسد. الأرض فاسدة. الحياة فاسدة. وأيضًا وخصوصًا: الإنسان فاسد. والحال هذه، إذا فسد ملح الأرض، وملح الإنسان، فبماذا يُمَلَّح؟
مَن يستطيع أنْ يوقف “حفلة” الابتزاز الصهيونيّة، هنا وفي العالم؟ مَن يستطيع أنْ يوقف “حفلة” السعير الدينيّ القياميّ، هنا وفي العالم؟
لا أحد. لا أحد.
… وها هنا، في لبنان المهيض المجرجر والمسحول في ساحات الفضيحة الكونيّة، ليس ثمّة حثالةٌ واحدٌ، ولا واحد، من أهل الحلّ والربط، من مجرمي هذا العفن الوجوديّ – السياسيّ – الاقتصاديّ – الاجتماعيّ – الطائفيّ – المذهبيّ – الحربيّ المقلعط، إلّا ويمعن في “بلّ يده” بلبنان.
“العدالة كرتون، الحرّيّة كذب. صار الحبس كبير، وكلّ حكم بالأرض باطل”، تقول فيروز لجدّها، وهي تخاطب العالم. لكنّ “الحفلة” لم تنتهِ بعد، يا سيّدتي.
أيّتها الفضيحة الكونيّة، كاسك !