بقلم أحمد الأيوبي
بعد صمت طويل، خرج الأمين العام لـ»حزب الله» حسن نصرالله بخطابٍ تناول فيه رؤيته للتطوّرات منذ بدء عملية «طوفان الأقصى» حتى الساعة، فتوسّع في تقديم كلمته معطياً التوصيف وسرد الأحداث المساحة الكبرى من كلمته حين تحدّث عن كلّ ما هو معلوم ومتاح للرأي العام إلى درجة أنّ الجزء الأكبر من الكلمة سبق له أن تسرّب عبر شخصيات ووسائل إعلام «الحزب»، ولم يحمل أيّ جديد وهذا ما أحدث شيئاً من الإحباط في أوساط مؤيّدي «حماس» منذ الدقائق الأولى للكلمة سرعان ما انعكس عبر وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كثيف.
ربّما اعتبر البعض أنّه كان من الطبيعي أن يستعرض نصرالله ما جرى من وجهة نظره، لكنّ المبالغة في عرض الحال وتبرير محدودية النصرة لـ»حماس» وغزة وخلوّ الخطاب من وضوح في الرؤية، وتبرّؤه من «حماس» بدعوى استقلالية القرار لديها وتأكيده عدم علمه بالعملية، جعلت باقي أجزاء الخطاب خاضعة للكثير من التشريح والانتقاد خاصة في الجوّ السنيّ الذي تأثّر منذ بدء عملية «طوفان الأقصى» وانتقل إلى تقبّل الموقف من «حزب الله» على قاعدة أنّ الأولوية هي لغزة الآن والوقت ليس وقت النزاعات المذهبية أو السياسية.
لكنّ التفاف هذه الشريحة حوله لم يكتمل لأنّ كلمة الأمين العام جاءت خارج سياق الانتظارات التي كانت مرجوّة من احتمال تدخّله لردع العدوان الإسرائيلي على غزة، وواقع الحال أنّ نصرالله أكّد قواعد الاشتباك ورهَن المواجهة بموقف العدوّ الإسرائيلي فارتدّ الجزء الأكبر من هؤلاء إلى مواقفهم ومواقعهم السابقة وخسر «الحزب» ما حقّقه من تحسين للصورة في الوسط السنّي.
لكنّ الأكثر إثارة للاستغراب في مجمل خطاب نصرالله تجاهله التام والمستغرب لـ»الجماعة الإسلامية» ومشاركتها الواضحة في أعمال المقاومة في الجنوب نصرة لغزة كما أعلن أمينها العام الشيخ محمد طقوش، وقد توقّفت أوساط إسلامية قريبة من الجماعة عند تعمّد نصرالله ذكر سرايا المقاومة وإقرانها به، رغم تواضع حضورها، وكذلك ذكر حركة «حماس» وسرايا القدس التابعة لحركة «الجهاد الإسلامي»، من دون أن يذكر بأي إشارة الجماعة، رغم أنّه تناول في مكان آخر قضية اتهام إيران والإخوان المسلمين بالاستثمار في أحداث غزة.
هذا التجاهل لـ»الجماعة» ليس الأول، بل هو شبه دائم رغم علمه بالمشاركة الفاعلة لـ»الجماعة» في مواجهة العدوان الإسرائيلي خلال «عناقيد الغضب» وفي حرب تموز 2006 في مناطق العرقوب وعلى امتداد البلدات السنية الجنوبية امتداداً إلى صيدا، وربما يعود هذا الموقف إلى امتعاض «الحزب» من حضورها المباشر وتفعيل مؤسساتها التربوية والاجتماعية في مواجهة اختراقات «الحزب» بـ»سرايا المقاومة» وخشيته من حصول استنهاض سنّي يتجاوز ما يريده على الحدود وفي الداخل، سياسياً وميدانياً.
من الواضح أنّ «حزب الله» لا يستسيغ الشراكة مع «الجماعة الإسلامية» التي سبقته في فضل مقاومة الاحتلال الإسرائيلي ولا يريد أن يعترف بمشاركتها ربما قطعاً للطريق على تطوّر هذه المشاركة خلال وبعد عملية «طوفان الأقصى» لجهة التحوّل إلى مقاومة تتمتّع بالشرعية التامة وبحقّها في الحركة والتقرير خاصة أنّها تستند إلى شرعية الانتماء إلى البيئة الإنسانية والجغرافية التي تدور عليها ومن أجلها الجهود لتحرير ما تبقّى من أراضٍ لبنانية محتلة، أعني شبعا، وتلال كفرشوبا والهبارية.
ليس واضحاً ما هو موقف «الجماعة» من هذا المسار في العلاقة مع «حزب الله» وهي التي تعتبر أنّ التواصل مع «الحزب» لا بدّ منه في حدود الشراكة الوطنية ووفق ما تتطلّبه احتياجات الميدان. ورغم عدم الانقطاع في التواصل بين قيادتي «الحزب» و»الجماعة»، إلّا أنّ الواقع يؤكِّد وجود قُطَبٍ مخفية يُظهرها التجاهل وعدم الرغبة في الاعتراف بوجود الآخر لدى «الحزب».