أنطوان مسرة : وصفوني بـ “عطّار الطائفية” وقلّة فهمتني و الفدرلة مستحيلة
"سأموت خلال سنتين وأمامي بعد شغل كثير"
بقلم نوال نصر
هو صاحب الابتسامة الدائمة، الدافئة، الهادئة، والساخرة أحياناً. هو الأستاذ الذي علّم طلاباً وعلّم في طلابٍ. هو أستاذ أمين معلوف ورياض سلامة وكارلوس غصن وجوزف مايلا وكثيرين كثيرين في ستين عاماً. هو الأستاذ الذي لم يملّ من الكلام عن الدستور والميثاق والعيش المشترك ومفهوم الدولة والسلم الأهلي حتى ولو أتعبه ذلك: «جداً جداً جداً…». أنطوان مسرة، الذي لم يفهمه كثيرون ولم يتبوأ مراكز كثيرة ولا يبالي بأن يراكم أصدقاء كثيرين حدّد رسالته في هذه الحياة: أن أشرح لبنان. روحاني هو ويملك حاسة سادسة تنبئه بأنه لن يعيش أكثر من سنتين بعد. يقول ذلك ويزيد: «لديّ بعد في السنتين المقبلتين عمل كثير».
في صدرِ الدار أربعة وجوه مؤطرة بالأسود: جداه ووالداه. وفي الأرجاء لوحات كثيرة، ذات أبعادٍ عديدة، مذيلة بتوقيع: روبير مسرّة. ذكر إسم روبير وحده جعله يتنهد مخفياً دمعتين. يقف أمام لوحة كبيرة تحمل اسم «الأيتام» وتضم ستة أولاد، ثلاث بنات وثلاثة صبيان، تضمه هو وشقيقاته إيفيت وهنرييت وأوديل وشقيقيه روبير وروجيه. هم كبروا أيتاماً. توفيت والدته ماري بعمر 37 عاماً بالتيفوئيد وكان بعمر ثمانية أعوام، وتوفي والده بعمر 53 عاماً بالقلب وكان هو بعمر 14 عاماً. صورة والدته لديه ضبابية «كانت بالغة الطيبة» ويقول: «أتذكر أنهم كانوا يأخذوننا الى بيت خالة والدي حين يكون هناك حدث جديد. ويوم مرضت والدتي وأخذونا الى هناك أدركت أنها رحلت. صرت أركض على السلالم. أردت أن أهرب. أردتُ أن أذهب الى مكانٍ ما. والدتي ماتت. عشت مع والدي نصري، درست في مدرسة الجمهور، وفي صف الرابع تكميلي توفي والدي الذي كان يعمل أمين عام مرفأ بيروت أيام الإنتداب. كانت علاقتي به وثيقة. وأتذكر أنني بعد يومين من التعازي رجعتُ الى المدرسة فسألني الأب «فلوري» عن فرض الجغرافيا الذي لم انجزه. طلبه مني. فهل تتصورين ذلك؟ كان التعليم في الجمهور مختلفاً. كان يبدو قاسياً. لكن يمكنني اليوم أن أقول إنه علمني أن الواجب واجب أياً كانت الأوضاع والظروف. ولاحقاً، وجدت كثيراً من رفاقي ممن فقدوا والدهم أو والدتهم ووجدوا تعاطفاً أكثر من اللزوم قد تركوا المدرسة ولم يتمكنوا من الصمود. أيقنت أن الواجب يبقى واجباً دائماً».
تلامذتي عاشوا التاريخ
ولد أنطوان مسرة في بيروت. أتت عائلته منذ العام 1860 الى بيروت وسكنت في شارع سمي باسم حيّ مسرة هو اليوم شارع عبد الوهاب الإنكليزي ويقول: «هناك من يقول إن إسم الشارع تيمناً باسم المطرب محمد عبدالوهاب غير أن عبد الوهاب الإنكليزي هو زعيم وطني وسياسي سوري، أعدمه جمال باشا في السادس من أيار عام 1916 ونقل الى المقصلة على عربة نفايات ليكون عبرة لكل المقاومين الشرفاء. كانت كل الأراضي هنا مليئة بالصبير كما أخبرني والدي. بنى والدي هذا البيت (الذي يسكن فيه الآن) عام 1865، أما شقيقه فبنى بيتاً آخر تهدم ويستطرد: نظمت في المدرسة حيث علمت لاحقاً، على مدى سبعة أعوام، تاريخ لبنان انطلاقاً من أسماء الشوارع وليس فقط وفق ما كُتب في كتب التاريخ. طلبت من تلامذتي كتابة التاريخ بطريقة خارجة عن المألوف. قلت لهم إذهبوا الى أدراج الجد والجدة والى الخزائن وابحثوا عن العملات القديمة ووثائق الزواج والصور القديمة وصكوك الملكية أيام العثمانيين. يومها إنتقدني كثير من المعلمين التقليديين لكن طلابي بهذه الطريقة عاشوا التاريخ».
هو علّم اللغتين الفرنسية واللاتينية والتاريخ في مدرسة الجمهور ويقول: «شخصيات كثيرة اليوم كانت من طلابي بينهم أمين معلوف ورياض سلامة وكارلوس غصن. لم ألتق مجدداً بمعلوف لكنني التقيت مرات بغصن وبكثيرين. وما أصبح عليه هؤلاء علمني الكثير. فأنا لم ألتق أحدهم إلا وكنت فخوراً بنفسي. يجب على المعلمين أن يفكروا لبعيد. تلاميذهم اليوم قد يصبحون غداً كتاباً مميزين ورؤساء ورائدين. فليتذكروا ذلك وهم يعطون الدروس».
يكرر مسرة إستذكار أسماء ميشال شيحا وكاظم الصلح ورياض الصلح وبشارة الخوري وحسين الحسيني في حديثه ويقول: «هؤلاء اليوم بمنظور علم الدستور عباقرة. إكتشفوا الصيغة اللبنانية بشكل عفوي براغماتي وعملي منذ سبعينات القرن الماضي، منذ تطورت الأبحاث المقارنة حول الأنظمة الشبيهة بلبنان. وما فعلته أنني إستعنت بعلم الدستور المقارن لإغناء نظرية البناء الدستوري اللبناني. هذا اللبنان الذي تعتبره الصهيونية خطأ تاريخياً وجغرافياً». ويتذكر: «منذ كنت في سنتي الجامعية الأولى في الحقوق نلت أعلى نقطة في قانون العلم الدستوري 18 على 20 ومنذ ذلك الوقت قلت لنفسي: ما تعلمته مهم لكن لا علاقة له في لبنان. وبدأت ابحث. وكتبت خلاصة في الموضوع عن السيرة الذاتية في البحث الدستوري المتابع. بدأت منذ ذاك الحين أبحث من منظور مقارن حول إدارة التعددية في بلدان بينها سويسرا وبلجيكا والنمسا والبلاد المنخفضة. كان المؤلفون في السبعينات والستينات حين يصلون الى موضوع مثل قاعدة التمييز الإيجابي أو الإدارة الذاتية في بعض القضايا مثل التعليم يقولون: هذه أوضاع خاصة ويضعونها في سلة المهملات الطائفية. كانت لديهم عقدة نقص في شأن البنية اللبنانية.
نسأله: وهل نجحت في ذلك؟ يجيب: «أظن أنني بدأت بالنجاح لكن هناك ما يسمونه في علم الإجتماع الموروث الثقافي. حين يكون أحد معتاداً على نمط تفكير معين يصعب عليه إعتماد نمط آخر. يحتاج الأمر الى عمل كثير. وهذه كانت مشكلة كبار الفلاسفة والعلماء والمفكرين والكتاب فبدل أن يعتبروا أن هذا الدرس تصنيف للأنظمة السياسية أخذوه وكأنه عقيدة أو فلسفة أو نظرية. علماء القانون والإجتماع في العالم صنفوا بعض البلدان التي لم تكن مصنفة وتعتبر حالات خاصة، مثل واحد يكون مريضاً ويقول أعاني من ألم في المعدة أو عسر هضم. هذه كلمة عمومية سائدة لكن حين يذهب المريض الى الطبيب يجري له تصويراً دقيقاً يحدد بالفعل معاناته».
هل نفهم من ذلك أنك لم تنجح في ما عملت له في ستين عاماً؟ نعم، صحيح. هذا بحاجة بعد الى عمل كثير.
نعود الى حيّ مسرة. ونصغي إليه يخبر ذكرياته: «إضطر والدي الى بيع أراضٍ كثيرة وأرسل أموالاً الى إخوته في كندا. وأملك صكوكاً كثيرة لأراض بيعت. ووالدي رهن البيت الذي نسكنه مرات. كان يريد بيعه بمبلغ 170 ألف ليرة. وأنا، بعد وفاة والدي ووالدتي، تابعت دروسي من دون إشراف مباشر بنعمة إلهية».
تعلّم في مدرسة الجمهور ثم درس الحقوق وعلم الإجتماع وبعض الأدب الفرنسي وعلم النفس و… هل نفهم من ذلك انه لم يكن يعرف ماذا يريد؟ يجيب «بلى، كنت عارفاً ما أريد لكن الآخرين لم يعرفوا كيف يصنفونني. كانت هذه مشكلتي. وأتذكر أنني يوم أنهيت أطروحتي في علم الإجتماع، بعد سبعة أعوام، وكانت بعنوان: «البنية الإجتماعية للمجلس النيابي»، قدمتها الى جامعة ليون فأتتني رسالة تقول: هذه ليست اطروحة في علم الإجتماع بل أطروحة في القانون وعلم السياسة. قدمت اطروحتي من جديد الى كلية الحقوق في ليون فأتتني رسالة تقول: هذه اطروحة في علم الإجتماع لا في علم القانون. لم يفهموا اطروحتي. أنا سميت ما فعلت تعدد الإختصاص الذي يتكلمون عنه في الجامعات لكنهم لا يعرفون تطبيقه. لم ينظروا في مضمون الأطروحة. وهذا اخرني سنة ونصفاً. كتبت رسالة الى موريس دو فرجيه (أستاذ القانون الفرنسي الإختصاصي في القانون الدستوري) فأجابني: أنه لا يحب مثل هذا الشكل من الأعمال. لاحقاً، نجوت من كل هذه المعمعة من خلال جامعة ستراسبورغ بفضل عالم كبير إسمه جوليان فرويد. ويستطرد بالقول: مساري الجامعي كان ناجحاً لكنه مليء بالعقبات. هناك نوعية من الفكر الأكاديمي الجامد الذي انطلق يبحث في الإبداع والتجديد لكنه إستمرّ جامداً في التصنيف والتقليد».
تبدو وكأنك دائما عكس التيار خارج المألوف؟ يجيب: «نعم، هذا صحيح، كنت اكتب عن الدستور اللبناني فكتب عني بعض المؤلفين: أنطوان مسرة عطار الطائفية. قالوا ذلك مع أنني كنت أسعى دائماً الى البحث العلمي الجدي في الموضوع، مثل شخص يقول لطبيب: لديّ ألم في المعدة فيجيبه أنا ضدّ ألم المعدة».
علّة مثلثة
نسأله: العلّة فيك أم فيهم؟ «إنها في ثلاثة عناصر: أولاً، في الثقافة اللبنانية حيث يوجد كثير من المفكرين الذين يفتقرون الى الخبرة. ثانياً، في نظرة الإيديولوجيين للعصرنة وفيها أن بلداً يضم طوائف وتنوعاً لغوياً ليس عصرياً. ثالثاً، هناك نوع من الأكاديميين الذين لم يقرأوا الأبحاث المقارنة منذ سبعينات القرن الماضي. كنا نتعامل مع هؤلاء بمحبة وحوار لكنهم أصبحوا اليوم خطراً. هؤلاء المثقفون بلا خبرة. إنهم يزعزعون شرعية البنية اللبنانية لدى الأجيال الجديدة لذلك نرى لبنان يبحث على الدوام عن الصيغة والميثاق والطائف وإلغاء الطائفية بلا جدية».
لا يحبّ أنطوان مسرة حفلات التكريم وكلام الإطراء ويقول «أنا، في النهاية، نتيجة فضائل غيري. أتساءل دائما ماذا كنت سأكون لو لم أكن متأثراً بوالدي؟ هناك أساتذة تأثرت بهم بينهم برنارد دو شاتليه والأب جان بيلوز وبطرس ديب. تعلمت من هؤلاء أن المعلّم هو من يعلّم. هناك معلمون يعلمون من دون أن يحكوا أمثال بطرس ديب، الذي كان مدير عام رئاسة الجمهورية ثم سفير لبنان في باريس ولاحقاً رئيس الجامعة اللبنانية. علمني الاستاذ ديب التاريخ وعرفت الكثير بمجرد النظر إليه».
الموت الذي واجهه في أقرب الأقربين باكراً رسم حياته لاحقا التي كانت ملاحقة دائماً «بنعمة إلهية» ويقول: «أيقنت ان الأموات لا يموتون. عشتُ فترة في حياتي في اضطراب حول مفهوم الحياة والموت. وأهم ما شكّل حياتي لاحقاً هو إكتشافي ليسوع. أيقنت أننا لسنا وحيدين وأن الأموات معنا دائماً. عشتُ تجربة صوفية رهيبة قد يعتبرها البعض مجرد وهم لكنني عشتها كتجربة لا مثيل لها سنحت لي التواصل بين الاحياء والأموات. بقي أمواتي حاضرين معي. ولست بحاجة الى وسيط والى روحانيات للتكلم مع الأموات بل أتكلم معهم يومياً وأحفادي هم الجيل السادس في هذا المنزل. أؤمن ان كل إنسان في هذه الحياة يحمل رسالة ومجيئه الى الحياة ليس صدفة. ويستطرد: سألتني حفيدتي يوماً: كيف إكتشفت رسالتك فأجبتها: رسالتي أن أشرح لبنان. فهم لبنان صعب لكنه قابل للفهم باعتماد منهجية علمية. هذا اهم دور لي».
الصحافة لا تتركك
التعليم هو عمله الدائم والبحث العلمي على عكس المثقفين بلا خبرة «لم اكتب سطراً واحداً في حياتي بدون خبرة. لكن، بعد فترة، شعرت أن الصحافة اليومية ليست رسالتي. أزعجتني الصحافة اليومية السطحية. كان طموحي أكبر للتعمق. لكن، أعترف، أن ذهنيتي إستمرت صحافية وتواصلية دائماً. الصحافة مهنة لا تتركك حتى ولو تركتها».
حافظ أنطوان مسرة على إستقلاليته ويقول «كانوا يسألونني في الجامعة: لماذا لم نرك مديراً أو عميداً أو رئيساً للجامعة؟ قالوا لي: تقرّب من السياسيين لتصبح رئيساً للجامعة. لكني لم أطلب مرة شيئاً من أحد. ويوم انتخبت من قِبل مجلس النواب عضواً في المجلس الدستوري كانت مفاجأة. ترشحت الى العضوية في العام 2008 ولم أتصل إلا بصديقي نائب بيروت ميشال فرعون. قلت له: أنا مرشح وأنت حرّ بالتصويت لمن تريد. نجاحي شكّل مفاجأة كبيرة في بلد يعيش على الزبائنية».
اليوم، كيف يفسّر فوزه؟ «ربما لأنني كنت معروفاً من خلال المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي الدائم». كوفئت؟ «لا، ليست مكافأة لكنني عُرفت بجديتي ومنحاي الحقوقي». هل الجدّية تكفي؟ «أعترف أنها ظاهرة غريبة أن انتخب من دون أن اتصل بأحد». كيف عشتُ المرحلة؟ «المجلس الدستوري الذي شاركت فيه بقيادة عصام سليمان من اهم المجالس الدستورية. أنا لست قانونياً بل حقوقياً. القانون يتحوّل لدى البعض الى أداة وتبرير لا الى معيار. وهذا خطأ». ويستطرد: «مرحلة المجلس الدستوري من أغنى التجارب التي شاركت فيها وسجلناها في 14 كتاباً. صحيح حصلت ضغوطات مرة واحدة على ثلاثة أعضاء لكني أقسم أن لا أحد إتصل بي طوال احد عشر عاماً. لم يتصلوا بي لأنهم يعرفونني».
الميثاق هو الميثاق
أنطوان مسرة رفع لواء الصيغة والميثاق والدولة والعيش المشترك طوال ستين عاماً وهو انطلق في شرح ذلك من واقع عاشه «أسكن على خط تماس سابق، على معبر السوديكو، حيث كانت هناك معابر ومتاريس. هناك، على هذا المعبر- وعلى سواه من المعابر- مات كثيرون وبيروت أصبحت بيروتين لكنني كنت أقول دائماً: لم يتغيّر شيء في لبنان والميثاق هو الميثاق وسنعود إليه. إنتقدوني لذلك. هناك من أهمل الميثاق لكنه ما لبث أن عاد إليه. الشيخ بشير الجميل هو من الشباب المقاومين الذين تعلموا في المقاومة والتجربة اللبنانية. في أول شبابه قال: مات الميثاق ودفناه. ثم بعدما انتخب رئيسا للجمهورية أيقن اهمية الميثاق بالتجربة وتحدث عن 10452 كيلومتراً».
لكن، هناك اليوم من يطالب بالفيدرالية بعد أن تبيّن عجز النظام القائم؟ يجيب: «مشكلتنا أننا لا نتعلم من التاريخ بل نتعلم في التاريخ. لا يوجد دستور معقد أكثر من الدستور السويسري لكنهم تعلموا من التاريخ. الشعب المتخلف هو من يتعلم في التاريخ. لبنان غير قابل للفدرلة الجغرافية بأي شكل من الأشكال. الفدرالية مستحيلة. جاري بائع البيض مسلم وجاري صاحب فرن بيضون مسلم. ويوم فتحت المعابر عادا الى المنطقة وكأنها إستراحة في مسرحية. العلاقات بين اللبنانيين متينة جداً وظاهرة المعبر أكبر دليل. آلاف اللبنانيين كانوا ينتقلون يومياً عبر المعبر في الإتجاهين. وهذه الظاهرة إسمها في علم الإجتماع: العضويات المتداخلة التي هي قوية جداً في لبنان لدرجة يصعب فصلها».
يقول مسرة: «أنا نشرت اهم كتاب عن الفدرلة. هناك مثقفون يفتقررون الى الخبرة. هؤلاء لم يذكروا كيفية تقسيم المقاطعات ومن عاد وفعل ذلك ربط على سبيل المثال جبل لبنان بالجنوب. إنه يريد القيام بتهجير سكاني. الطوائف في لبنان متوازنة في العدد ومتوزعة في المناطق. لذلك أقول أن الفيدرالية ليست مناسبة للبنان».
يتوقف مسرة مراراً في كلامه عند مفهوم الدولة ويقول «اللبناني لا يعرف ما هي الدولة. للدولة أربع مواصفات ملكية. لا دولة لدينا الآن ولا نملك مواصفات الدولة. لدينا جيشان لا جيش واحد. وهناك دبلوماسيتان واحدة عربية وثانية إيرانية. لدينا دولة رسمية وثانية رديفة متمثلة بحزب الله…» نسأله: ألم تتعب من المطالبة بالدولة؟ يجيب: «تعبتُ جداً جداً جداً… أصبحتُ مرهقاً لكنني سأستمرّ. نحتاج الى دولة واحدة تحتكر القوة المنظمة. وأنا أول واحد سأنتسب الى المقاومة الوطنية إذا وجدت من أجل تكوين دولة وليس الى مقاومة حزب. ساكون أول المقاومين».
يتمنى مسرة لو كان ناسكاً يمضي الوقت في قراءة الروحانيات ويسمع الموسيقى الكلاسيكية وباخ ويقول: «أحب الزراعة لكن هناك مزارعين أكثر شطارة مني وأحب الموسيقى لكن هناك موسيقيين أفضل مني. لذا إنصرفت – وسأبقى الى آخر يوم في حياتي، الى شرح مفهوم لبنان. إنه لبنان كاظم الصلح ومحمد مهدي شمس الدين والسيد موسى الصدر والقيَم المتمثلة بالحريات والتواصل الإسلامي المسيحي والإسلام المسلم ومسيحية القريب».
يذكر مسرة بشير الجميل مراراً ويقول: «كان يعتبرني بشير من التسوويين. وأنا اميز بين التسوية والمساومة. نحن نمارس المساومات على السيادية و»معليش مشيها وشو فيها». هذا خطأنا». ويعود ليكرر: «كثيرون لم يفهموني. هل تعرفين من كان يفهم يسوع المسيح – من دون تشبيه؟ العلماء المتواضعون ومن لم يذهبوا الى المدرسة ولم تتم برمجتهم. جورج برنارد شو قال: إضطررت أن أوقف دراستي باكراً لأذهب الى المدرسة».
من هم أصدقاء أنطوان مسرة اليوم؟ ينظر من شرفته ويقول: هذا (طلب عدم نشر اسمه) بلفني. ويستطرد: «تعرفت على سمير جعجع يوم دعاني إيلي كرامة – وكان صديقي في مدرسة الجمهور- الى حزب الكتائب لأشرح الدستور والميثاق. كان يصغي بتمعن وأخذني جانباً في آخر المحاضرة وطرح عليّ جملة أسلئة. كان شاباً واعياً.
لدى أنطوان مسرة ولدان: نصري وهو استاذ جامعة وميشيل وهي أستاذة لغة فرنسية. وله ثلاثة أحفاد: إلسا ماريا وأنطوان وكيارة. أما زوجته، رفيقة الدرب الطويل، فتدعى إفلين.
في الختام، كيف يقضي اليوم وقته؟ يجيب: أقرأ كثيراً. وأقول يومياً لنفسي مع ليوناردو دافنتشي: سأستمرّ. ويهمس قبل أن نغادر بشعور: أحسّ أنني لن اعيش أكثر من سنتين بعد، لذلك أنهمك في إنجاز آخر كتاباتي.