خطاب الكراهية لدى جمهور المقاومة !

بقلم غسان حجار

تعمل الجيوش الالكترونية لمصلحة مشغّليها، وليس العكس. يتّهم الجيش الالكتروني لـ ”حزب الله” إعلاميين ووجوهاً سياسية واجتماعية بالعمالة لإسرائيل ويهدرون دمهم لكونهم أصحاب رأي معارض لسياسة الحزب ومشروعه.

قد يكون الوقت في خضمّ الحرب، حيث تنبعث روائح الدماء، غير مناسب للمحاسبة، وأيضاً للحروب الالكترونية العبثية، والوقت غير مناسب لإثارة الحساسيات المذهبية والطائفية والمناطقية. المقاومة لا تقوى بالتحريض وخطاب الكراهية. حتى الراهبات اللواتي كرّسن حياتهن للتربية والتعليم، لم يسلمن من حقد الحاقدين، وأراد البعض إقحامهن في صغائر السياسة.

يُحكى كثيراً عن الوحدة الوطنية وتقوية عوامل التضامن الداخلي لمواجهة الحرب القائمة إنْ في غزة، أو في جنوب لبنان، الذي عاد، ولو بإمرة “حزب الله” ورعايته، الى أجواء السبعينات، عندما كانت تدور مناوشات يومية عبر الحدود مع إسرائيل، ما استدعى اجتياحاً أول في العام 1978، واجتياحا ثانيا طاول بيروت في العام 1982.

قد لا يُلام جمهور المقاومة والممانعة على بعض ردود الفعل بسبب الظروف التي يعيشونها أمنياً في القرى الحدودية، اذ إن “مَن يأكل العصيّ ليس كمن يعدّها” وخصوصاً بعدما فقد الحزب أكثر من 60 مقاتلاً في صفوفه، وتتفاقم الخسائر المادية أيضا يوماً بعد يوم.

لكن هذه الأوضاع المأزومة تتطلب احتضاناً وطنياً إضافياً ( إذا كان موجوداً أصلاً، وهذا موضوع يستلزم نقاشاً معمقاً ) بدل إثارة الغرائز ونبش الأحقاد وتوزيع التهم بالعمالة، وهي العادة التي ابتكرتها الوصاية السورية التي كانت توجه التهمة بالعمالة لإسرائيل لكل معترض على سياستها في لبنان.

الحملة الأخيرة على سياسيين وإعلاميين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ووسمهم بنجمة صهيون، واتهامهم بالعمالة، تعبّر عن خطاب كراهية، وعن عدم الرغبة في بناء وطن، يتقبل أبناؤه بعضهم بعضاً.

الاتهام بالعمالة في غير مكانه، وصدق رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع بسؤاله أخيراً عن القبض على نحو 150 شبكة عمالة لإسرائيل في الأعوام الأخيرة، وجلّهم من الوسط الشيعي، متحدياً القبض على أيّ “قواتي” في هذه المنظومة. فهل القبض على عميل شيعي، يوسم الشيعة كلهم بالعمالة ؟ أليس المجتمع الشيعي هو الحاضن للمقاومة؟ قد يقول قائل إنه تم القبض على أكثر من مئة شبكة عمالة في وقت لم ينفَّذ عدد مماثل من العمليات ضد إسرائيل، فهل يمكن وصف تلك البيئة الحاضنة، بحاضنة التطبيع على المستوى الأمني مثلا ؟

هذا الجدل الدائر ليست له قيمة فعلية، في هذا الزمن الحرج، ولا يختلف كثيرا عن الخطاب الإسرائيلي الصهيوني الحاقد على العرب والمسلمين، وأيضا على المسيحيين المشرقيين، خصوصا أولئك الذين يرفضون ترك الأراضي المقدسة.

ربما يأتي الجواب ان الحزب غير عابئ حالياً بالنقاشات والجدالات العقيمة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لأنه يتفرّغ للمعركة جنوباً، ولتطوراتها المحتملة. لكن الحقيقة، أن خطاب الكراهية هذا، الذي يتنامى في بيئته ويكشف عن الأحقاد الدفينة، ربما يثبت نظرية البعض بفشل التعايش، وسقوط مشروع قيام الدولة الواحدة، التعددية، وبضرورة قيام نظام فيديرالي. وهو يؤسّس لما هو أخطر من آنيته، لأنه يخيف الحلفاء، المؤيدين له في هذه الحرب، والمتضامنين معه، من أن يكون هذا الخطاب معبّراً عن حقيقة، وأن يرتد الحزب بخطاب الكراهية هذا، على الداخل، بعد توقّف الآلة الحربية.

الحزب، المربك حاليا، بسبب الحرب، ودوره فيها، وموقفه منها، مدعو الى تحصين الساحة الداخلية اللبنانية ما أمكن، فلا تؤدي المرحلة الحرجة الى تفكك العقد الاجتماعي “الواقف عا صوص ونقطة”.

اخترنا لك