بقلم محمد علي مقلد
التحرر الوطني يحيل إلى مقاومة الاستعمار والتحرير إلى مقاومة الاحتلال. مع أنهما من جذر لغوي واحد هو الحرية إلا أن بين المصطلحين فارقاً سياسياً شاسعاً، هو ذاته الفارق بين «حماس» ومنظمة التحرير الفلسطينية.
مع نشوء منظمة الأمم المتحدة وتشكلها من أوطان صارت المقاومة حقاً مشروعاً لأي شعب احتلت أرضه أو اغتصبتها قوة عسكرية تابعة لدولة أخرى. أولى المقاومات في التاريخ الحديث هي الفرنسية واليونانية والسوفياتية التي حررت بلادها من الاحتلال النازي، فاقتدت بها، بعد الحرب العالمية الثانية دول وشعوب مثل الجزائر وفيتنام.
التحرر الوطني صناعة سوفياتية، أساسه نداء لينين إلى الشعوب مضافاً إلى نداء ماركس العمالي، فتحول شعار «يا عمال العالم ويا أيتها الشعوب المضطهدة، اتحدوا» إلى دعوة لمقارعة الاستعمار في نهاية مرحلة السيطرة العسكرية الأوروبية على بلدان الكرة الأرضية من الصين حتى أميركا اللاتينية، وبعد الإقرار بحق الشعوب في تقرير مصيرها، فتحولت الدعوة من مقارعة الاستعمار إلى محاربة الإمبريالية «أعلى مراحل الرأسمالية»، وتوكأت بعض حركات التحرر الوطني على قضية فلسطين.
لماذا اعترف المجتمع الدولي بمنظمة التحرير وصنف «حماس» على قائمة الإرهاب؟ لأنّ المنظمة مارست حقها المشروع في مقاومة الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين، وضمت في صفوفها مروحة واسعة من القوى والمنظمات المتنوعة في انتماءاتها، وحصرت أهدافها باستعادة الأرض وبناء الدولة. حتى المتحدرون من الماركسية اللينينية عادوا من «جبهة الرفض» إلى خيمة المنظمة أي من التحرر الوطني إلى التحرير.
تمكنت المنظمة، بالكفاح المسلح، من كسب رأي عام عالمي على مستوى الشعوب والحكومات تتوج بحصول فلسطين، بقيادة ياسر عرفات، على مقعد في الأمم المتحدة ثم بعودة رمزية وإقامة دولة على غزة وجزء من الضفة الغربية.
ظلت «حماس» خارج إطار منظمة التحرير لأنّ مشروعها السياسي لم يقتصر على التحرير بل تجاوزه إلى التحرر الوطني لتجد نفسها جزءاً من جبهة المواجهة مع «الغرب الاستعماري والشيطان الأكبر»، لكن لا للتحرر من الاستعمار بل مما أسمته الأصوليات الإسلامية بـ»جاهلية القرن العشرين»، وهي العبارة التي لا تعني أقل من تكفير الحضارة الرأسمالية برمتها. وقد أدى اصطفافها إلى جانب الأصوليات الإسلامية الأخرى والقوى اليسارية المناهضة للاستعمار إلى تصنيف كل هذه الجبهة بكل مكوناتها في خانة القوى الإرهابية.
بهذه المعايير مارست الأحزاب اللبنانية، الوطنية منها والإسلامية، حقها في مقاومة الاحتلال وحظيت باعتراف دولي بشرعيتها ما لبثت أن فقدته بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي لأنّ أهدافها تجاوزت التحرير إلى التحرر الوطني، فيما حرمت المقاومة، على الضفة الأخرى من الحرب الأهلية، من الشرعية لأنّ الجيش السوري الذي قاتلته دخل إلى لبنان بمباركة عربية ودولية ولم يصنف، بحسب المقاييس المعتمدة، كجيش احتلال.
بالمعايير ذاتها يحكم على سائر القوى غير الفلسطينية التي رفعت راية القضية لا لتحرير الأرض بل للتحرر الوطني. هذا ما فعلته الأحزاب والأنظمة العربية، ولا سيما في دول جبهة الصمود والتصدي من ليبيا حتى العراق، وهو ما تحاوله أنظمة أخرى كإيران أو تركيا في محاولة الاستثمار في قضية رابحة هي القضية الفلسطينية.
غير أنّ فكرة التحرر الوطني لم تعد قيد التداول، ولا سيما بعد أن استبدلت الحضارة الرأسمالية الاحتلال المباشر بسيطرة محكمة على اقتصاديات العالم. لذلك بدت قوى التحرر الوطني وكأنها تقاتل طواحين الهواء.
فهل تلتزم «حماس» وسائر مناضلي التحرر الوطني بالقضية بما هي قضية تحرير الأرض والتخلي عن استخدامها رافعة لمشاريع دينية أو أممية وعودة أطراف المقاومة كلٍّ إلى حضن شرعيته الوطنية؟