بقلم رمال جوني
ترفض «أم جورج»، منيرة ساسين، ابنة بلدة علما الشعب المحاذية لحدود فلسطين المحتلّة مغادرة منزلها، بقيت مع «أبو جورج» المريض في منزلهما الكائن على أطراف البلدة، تردّد عبارة «حدا بيترك بيتو ورزقو؟»، ما يقارب الـ70 شخصاً تقريباً ظلّوا في علما، وقد نزحت غالبية سكّانها جرّاء القصف المتواصل عليها منذ بداية الحرب، قبل 40 يوماً تقريباً.
في منزل حجري قديم تمضي «أم جورج» يوميّات الحرب الطويلة، أبت المغادرة، بل تقول «ما فيني أترك «أبو جورج»». في قصّتها حكاية عن تعلّق الكبار بالأرض والذكريات، حتى أنها تحتفظ بلهجة والدها الفلسطينية، فعلما قريبة نسبياً من حانيتا وقرية البصة التي تعرف حالياً بشلومي، وقتها كانت العلاقات وطيدة بين الجارتين، وكان والدها يقصد فلسطين للتجارة، ومنه تعلّمت اللهجة واحتفظت بها لتعلّقها بفلسطين، على ما تقول.
في الغالب لا يصحب الهدوء يوميّاتها، عادة ما يقطعها القصف المتواصل على البلدة والمحيط، ومع ذلك تقول «ما بفل، هيدي أرضي وبيتي، أفضّل الموت هنا»، تؤكد أنّ هناك ليالي طويلة لا تنام خلالها بسبب القصف المتواصل الذي تسمّيه «الفرقيع» لتخفيف حدّته، ومع ذلك تعتبر أنّ الحياة تبدو طبيعية، تمارس نهارها المعتاد، تخرج إلى حاكورة منزلها، ترتشف القهوة مع الجيران، قبل أن ينزوي كل واحد في منزله مع اشتداد المعارك.
تعتمد علما اليوم على كهرباء المولّدات الخاصة في وقت غاب تيار مؤسسة كهرباء لبنان منذ اليوم الأول للمعارك. كل أبناء «أم جورج» نزحوا نحو بيروت، وآخرهم ابنها العسكري بعدما وجد منزلاً، في حين رفضت أن تغادر لأنّ الحياة في علما تحت القصف تساوي ألف حياة، على حدّ زعمها.
تجهد رعيّة علما الشعب بالتعاون مع البلدية في توفير مستلزمات الصمود المتمثّل بالخبز والكهرباء، غير أنّ «أم جورج» لا تستطيع الحصول عليه يومياً بسبب بعد منزلها، في غالب الأحيان يجلب لها في وقت تعتمد على حواضر المنزل في تأمين قوتها اليومي من لوبياء وباميه وملوخية وغيرها، وهي المونة التي أعدّتها صيفاً، كما تقول.
تتمسّك بعلما وبمنزلها، فهي كما تقول «روحها وحياتها»، تتكئ على الصلاة يومياً لأنها قوّة صمودها.
لا تقلق من شيء، حتى من تدهور حالة زوجها الصحّية، رغم بعد المستشفى عن علما نصف ساعة تقريباً، والسبب «يوجد مجموعة تواصل عبر تطبيق واتسآب نتواصل عبره عند أي طارئ ونجد الكلّ قربنا وهذا يعطيني جرعة صمود ودعم، وهذه المجموعة بإشراف كاهن الرعية».
لن تعيد كرّة نزوح حرب تموز، على الرغم من أنها تقول إن «هذه الحرب أصعب وأخطر، لأن لا مدى زمنياً لها، ومع ذلك نبقى في أرضنا رغم أن الدولة لا تسأل عنا».
على الرغم من مآسي الحرب التي لا تنتهي، هناك قصص تخبر عن حجم التمسّك بالأرض وقيمة الوطن، بصرف النظر عن أنّ الدولة اللبنانية لا تولي هؤلاء أي اهتمام وتركتهم لمصيرهم.