بقلم وليد شقير
لولا مخاطر امتداد الفراغ السياسي والإداري إلى المؤسسة العسكرية، لما شهد لبنان هذا الضجيج حول تدارك إحالة قائد الجيش العماد جوزاف عون إلى التقاعد في العاشر من كانون الثاني المقبل. فكل شيء آخر مجمد في البلد المعلّق على رف انتظار ما ستؤول إليه التطورات الدراماتيكية على الصعيد الإقليمي. كان الأمر على هذا المنوال قبل الحرب الإسرائيلية على غزة مع بعض الحراك الشكلي لإنهاء الفراغ الرئاسي، وبات الجمود بعد 7 تشرين الأول يتحكم بكل الاستحقاقات المؤجلة، بما فيها انتخاب رئيس للجمهورية.
الشيء الوحيد الذي يتحرك هو جبهة الجنوب حيث يزهق الاحتلال الإسرائيلي حياة المدنيين والصحافيين، وآخرهم الزميلان فرح العمر وربيع المعماري من قناة «الميادين» أثناء تغطيتهما الوضع الميداني. هما سقطا ضحية استحالة فصل جبهة جنوب لبنان عن جبهة الحرب على غزة، وسط غياب أي رادع دولي. فالقتل بالمفرق على جبهة لبنان لتسجيل النقاط لا يدخل ضمن حسابات الدول الكبرى لضبط الوضع ومنع توسع الحرب، مقابل الإجازة الأميركية لحكومة بنيامين نتانياهو بأن تمارس الإبادة الجماعية في غزة.
يحل التسخين المتدرّج على جبهة جنوب لبنان، مكان التفجير الواسع، بديلاً من توسيع الحرب، ومن إيجاد الأسس الكفيلة بإقفال تلك الجبهة، ما يجعل تطبيق قرار مجلس الأمن الرقم 1701 معلّقاً بالكامل منذ عملية «طوفان الأقصى». بل إن التعايش مع تجميد العمل بأبسط قواعد وبنود هذا القرار، أي وقف الأعمال العدائية، بات مسلماً به من قبل القوى الدولية المعنية بتطبيق هذا القرار لأنّ هذه الأعمال العدائية باتت روتيناً يومياً منذ 8 تشرين الأول الماضي، ولأنّ السلاح المحظّر في منطقة عمليات القرار الدولي بات يستخدم من دون أي حرج من قبل المقاومة بهويتيها اللبنانية والفلسطينية. من دلائل التسليم الدولي بتعليق العمل بالقرار الدولي والذي يأتي قبل ساعات من بحث مجلس الأمن بتنفيذ القرار 1701، أن قائد قوات حفظ السلام الدولية في الجنوب أرولدو لاثارو قال الأسبوع الماضي بعد لقائه كلاً من الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي، إن «أولويات اليونيفيل الآن هي منع التصعيد، وحماية أرواح المدنيين، وضمان سلامة وأمن حفظة السلام الذين يحاولون تحقيق ذلك والقرار 1701 يواجه تحدياً في الوقت الراهن، إلا أنّ مبادئه المتعلقة بالأمن والاستقرار والتوصل إلى حل طويل الأمد تظل صالحة… وعلى حفظة السلام مواءمة عملهم مع الوضع، ولكن عملنا لدعم القرار مستمر».
هل باستطاعة واشنطن القوة الرئيسة التي حالت حتى اللحظة، بفعل اتصالاتها مع إيران، دون الانفجار الكبير على الجبهة اللبنانية وبلجمها الجموح الإسرائيلي نحو الإفادة من فرصة التأييد الغربي الكاسح، أن تنقل الجبهة اللبنانية إلى مستوى مضمون من الهدوء؟
في السابق اكتفت الإدارات الأميركية المتعاقبة بالأخذ بالحجج الإسرائيلية الواهية لتبرير إبقاء الجبهة اللبنانية قابلة للاشتعال. وحتى حين اقتنع بعض المسؤولين الأميركيين بصيغة نقل منطقة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا إلى عهدة الأمم المتحدة، في انتظار ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا وحسم وضعية المساحة التي تحتلها إسرائيل، أيها لبنانية تقع تحت سلطة القرار 1701، وأيها سورية تقع تحت سلطة القرار 242، كانت الحجة الإسرائيلية رفض تسليم تلك المناطق لقوات الأمم المتحدة بذريعة عدم منح «حزب الله» انتصاراً مجانياً بأنه أجبر الجيش الإسرائيلي على الانسحاب.
لمناسبة ضغوط الدول الغربية على لبنان لتفادي انزلاقه إلى الحرب، بحجة أنّ المخرج الوحيد لتفادي الحرب على الجبهة اللبنانية هو تطبيق القرار 1701، فإنّ هذا القرار نص بمرجعياته على صيغة الانسحاب المؤقت من الأراضي اللبنانية المحتلة وتسليمها للأمم المتحدة.
تحرك الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين من أجل ضمان التهدئة، في سياق استعداد واشنطن للعب دور الوسيط من أجل ترسيم الحدود البرية أسوة بالحدود البحرية يشكل فرصة للإدارة الأميركية كي تحقق هدف تحييد جبهة لبنان، ولفصل هذه الجبهة عن الحرب على غزة. فهل يقلع الجانب الأميركي عن الأخذ بالحجج الإسرائيلية الواهية (مثل عدم منح «حزب الله» انتصاراً مجانياً)، لنزع فتيل الانفجار انطلاقاً من جنوب لبنان فتقوى حجة تطبيق القرار 1701 على سائر الحجج الإسرائيلية؟