صباح : عزف على أوتار الحياة بألوان الحب والتحديات

بقلم عمار مروه

الذكرى التاسعة لرحيل صباح وموسم العز الذي ستبقى تعيشه الى الابد كشحروره لم تتوقف عن فعل الحب علناً كما فهمته وحدها ومارسته بنزق بقيت تتصدى به لنزق اجتماعي فني كاذب واجهته بجرأة تشبه الوقاحة ولم تكترث لثمنه الباهظ على حياتها !.


لا يليق ان نتذكر الصبوحة إلا بلون قلبها الأبيض ! فهي حتى في رحيلها لم تدعو أبداً للحزن . بقيت حتى آخر لحظة من حياتها الزاهية تثير الجدل بتمسكها بحب الحياه، وبقدر ما حثّت كل من حولها على صفاء القلوب الرمادية التي تعرف ان لون الحياة الحقيقي لا يعترف لا بالأبيض ولا بالأسود ، بل بالرمادي .. فعمّدت حياتها بالعطاء وبما ظنه قصار النظر نفاق لكنه كان نزق فيه الكثير من الجرأة التي واجهت به المجتمع والفن ورجال الدين و لم ترد ان تعترف بالحب والزواج كما يريدونه الا بالفرح الذي لم تساوم على صدق الرغبة الواقعية للانفتاح عليه وعلى الآخر في تنوعه وحقه بالاختلاف.

وعلى طريقه القلوب البيضاء التي لا تتجاهل الألوان الأخرى لعمى الوان لديها ، وبقدر حاجة مزمنة في قلبها لتتلون بذلك اللون الفريد المكتفي عن غيره بنفسه مهما ازدادت درجة تركيز بياض الرمادي فيه وهو يلوّن قرارة قلبها الرمادي المائل الى الأبيض الممتلئ بحب الحياة حتى آخر التمسّك بها بفرح .

سيدة لم تخشى غموض الموت ورهبته كما خاف غيرها ، فلم تتورّع الطلب قبل موتها الذي شعرت بقربه من الأوصياء على تشييعها الى مثواها الأخير ان لا يبكوها ولا يشيّعوها بدموع ولا بكاء أو حزن ولا خطب جوفاء في كنيسة بل صارحتهم برغبتها الجامحة على وداعها بالدبكة والفرح !. بالله عليكم ، من هو القادر منكم على هذه الفضيلة وهذه الشجاعة سوى بعض الزنوج في اميركا ؟! اريد ان أرى فنانة واحده او فنان واحد قادر على هكذا جرأة بوصيته !.

أخيراً وبعيداً عن المبالغات تبدو صباح الان في ذكرى رحيلها التاسعة كأنثى عرفت كيف تقبض على اهم اسرار الحياة بكل دقائق تفاصيلها الباقية في ذاكرة من عرفوها لتملأها بالحب والزواج من اجمل الرجال . رجال انتخبتهم بعناية لتَتَملّكهم كلعبه في يد طفله تلعب بهم حتى الثمالة كما تريد وتشتهي .

وحتى عندما كادت تستنفذ تلك المكونات لتهرب من العجز بقيت متمسكة بالشباب في غفله من العمر كانت تعرف كيف تستبقيها بغريزة الانثى الغنية بترف الجمال الداخلي لتطارد الحب بلا هوادة لا لتعيشه بمكوناته الاجتماعية فقط، بل لتملأه أيضًا بالشخصي حتى آخر لحظه من عمرها الذي استحق منها ان يُعاش بزواج وراء زواج وراء زواج وراء زواج لم تتوقف عنه ابداً بلا رهبه او خوف او تصنُّع .

يكفيها فخراً بهذا الشرف الذي لم تجاريها فيه امرأة أخرى في التمسك بحلال الحب بأريحية أجادت ممارستها بنفس أساليب تسريحات شعرها الذهبي !. لذلك ربما قالت في صباها لرجال الدين أنتم تتمسكون بالقشور لتمنعوني من الحب ؟ سأتحداكم لأريكم كيف ألهو حلالاً بالرجال . فالحقوني اذا كنتم قادرين !! وبدأت تتزوج منذ زيومهت مختارةً اجمل الرجال وأصغرهم ، لتهزم رجال الدين على طريقتها وتنتصر عليهم اجتماعياً بزيجاتها الكثيرة بالحلال الاجتماعي الموازي للنفاق المشرعن لدرجة ان السيدة فيروز قالت في مكالمة هاتفية أجرتها مع صباح عندما كانت في المستشفى تواسيها سألتها فيروز “ليش عم تتزوجي كتير يا صباح ؟” هل غارت منها فيروز ؟ .

صباح تزوجت الحياة حتى آخر الرجال وعاقرت الفن بما فيه من ترف وموضة وفساتين وتسريحات ورجال .فهمت ماذا يريد الرجال على أنواعهم ففرضت بذكائها اعتراف أهم الملحنين والموسيقيين بصوتها وشخصيتها إبتداءً من الاخوين رحباني الذين عرفت كيف تنتزع منهم دوراً أساسيًا في إحدى أهم مسرحياتها الغنائية” موسم العز” .

وصولاً الى من لعب لعبة الشيزوفرانيا الفنية كوليد غلميه فأخذت أجمل ألحانه الخالدة !. وصولاً الى وديع الصافي وكبار الموسيقيين المصريين .اخذت منهم توقيعهم على صوتها وقلبها من اكبرهم الى اصغرهم ولم تعبئ ابداً بسلطة رجل دين مهما كبر او صغر ففعلت بورقه الحلال كل ما تريد وتشتهي وكانت تغير الاسم على نفس الورقة كما تغير فساتينها فتزوجت بذلك الحب حتى آخر الرجال .

لم يكن الحب عندها نزوة بقدر ما كان أسلوب حياة ودلال أحاطت به نفسها كطفلة .. دلّلت نفسها كطفله وفرضت هذا الدلال على الجميع بما قل نظيره وبقيت هكذا حتى اخر ترف الحياة ولم تتغير .

بذلك هي سيدة استثنائية لن تموت كما فهم الموت غيرها من الفنانين او كما تصوره رجال دين المنافقين ولا حتى كما نفهمه نحن اليوم ، صباح ستبقى في الذاكرة الفنية والشعبية حيه بهذا المفهوم الذي اثار وسيبقى يثير الكثير من اللغط في فهم الفن والحياة والدين والتلاشي !.


ملاحظه : شكراً للفنانة السيدة غنوه رضوان “Ghinwa Radwan” على كرم إبداعها بتمثال الراحلة الذي نتداوله في ذكراها !

اخترنا لك