بقلم عقل العويط
أنتَ. أين أنت؟ كئيبٌ هو مشهدُ العالم. لا من موتٍ بل من مهنة العيش. كرسيٌّ هزّاز هو التثاؤب حتى طلوع الضوء. الضجرُ مقبرةٌ مفتوحة. هازلٌ من يقول إنّ الثأر ينجّي من رتابة.
أليست الرتابةُ سمادَ النهايات؟ أليس الموتُ هو السؤدد؟ علمًا أنّ السؤدد لا ينجّي من محتوم. الحياةُ سماءٌ بلا معنى. عروسٌ ثكلى هي الأرضُ. الملحُ كثيرٌ لكنّه فاسد. البحارُ هواجسُ عمياء. الأوطانُ عبوديّاتٌ شاقّة. باهظٌ هو ثمنٌ الضحك. كتلةٌ عمياء من دموع القيح والقصدير هو الوجود. الطفلُ فليبقَ طفلًا لئلّا يكبر فيستيقظ الوحش فيه.
الأوجاعُ أثقالُ جبال. الحلمُ حين يمضي، يصبح مضيعةً للوقت. الحلمُ حين يُقبلُ، يصير خيانة. النزيف هادئٌ بلا صوت. كصوتٍ صارخٍ في فردوسِ جهنّم. البرّيّةُ اكتشافٌ متأخّرٌ للخيبة. الجسدُ حشرةٌ تنتظر. غراب. بومة. النور، لكي لا ينبهرَ أحدٌ بأحد.
اذا ينفع المرء لو خسر العالمَ كلّه وربح جبينه. ماذا يخسر لو خسر الجبين. رجلٌ ما يطبع مالًا زائفًا ليسخر من الأمم. الطمّاعُ، لئلّا تبقى عينُهُ فارغة، يسلق كمّيّةً من الدولارات ويشرب ماءها.
لا أحد يتخيّل ألمًا يعتري السهولَ والأوديةَ والجبالَ لكونها سهولًا وأوديةً وجبالًا، ولا ألمًا يُماثلُ ذاك الذي يعتري شجرةً عندما تنظر إلى نهرٍ بعيد ولا تنصت إلى خريره. مئة عام، ألف عام، لا تكفي لكي تسدل الترابَ على قلبها عشيقةٌ متروكةٌ. أو لكي تنسى.
الزوجةُ مرآةٌ مغبّشة. الزوجُ عمودُ كهرباء أبله. ذهبٌ مسروقٌ هو الحبّ من طرفٍ واحد، من طرفَين. التلوّثُ، كما الإبادات، ضرورةٌ للأحياء. هل من فائدةٍ إذا أمطرتْ غدًا، أو بعد غد؟ أطفالٌ يتمنّون لو يتحوّل الواحدُ منهم حجرًا، أو حائطًا، كي لا يرى يدَ جلّاده بعينَين مفلوجتَين.
كلّما خسرتْ أمٌّ طفلها، أو فقدتْ منديلًا، أو أجهضتْ، أدرك اللهُ هولَ خطئه الجسيم لأنّه يسمح باستمرار الخليقة. أسوأ من أمس هو اليوم. أسوأ من هذا النهار هو الغد. لا حجمَ لسفاهةِ ذكاءٍ اصطناعيٍّ يبشّر بحلاوة المستقبل.
أيّ خللٍ سيكون هذا الخلل، عندما جالسٌ على السدّة يكتشف أنّ الجنسَ البشريّ هو علّة العلّة؟ أيّة ملهاةٍ عندما لا تحرّك القمرَ آهةُ جرسٍ تختلج في البعيد البعيد. في ودّي أنْ تفلت الكواكب والأفلاك من الجاذبيّة. كلُّ تشبّثٍ بالبقاء غلطةٌ. أريد أنْ أعبثَ قليلًا، أنْ أطلقَ سراحَ الفئران لألهو. ممتعًا سيكون المسرحُ عندما يلتقي على خشبته حفّارو القبورِ الكونيّة بقصدِ التبصّر في شؤون المستقبل.
كلُّ ما يتمنّى المرء يدركه. فلتتوقّف وسائل التواصل عن العمل. فليمتنع الانترنت عن الذهاب إلى الشغل. ماذا لو تنقطع الكهرباء نهائيًّا؟ هلمّ يا صاحبي لنقلق راحة الأحياء والموتى. فلنطفئ النارَ المُعَدّةَ لترهيب الصقيع ودحره. البرد يمنع الجثامين من الاهتراء. الدهشة لن تعقد الألسنة. اقطع ولا تزرع.
ماذا لو تُباع الدولةُ في مزادٍ علنيّ. غدًا ينتخبون رئيسًا للجمهوريّة. غدًا لن ينتخبوا رئيسًا للجمهوريّة. تبًّا لشغّيلةِ المرحاضِ الوطنيّ العموميّ. فلتذهب الموازنة إلى الجحيم إذا قرّرتْ أنْ لا ترأف بالمترفين. فلتُضاعَف الضرائب على الفقراء ليكونَ النومُ ثقيلًا.
أنتَ. ياااااا أنتَ، مَن أنتَ؟ غزالٌ هو لاوعيُ لبنان. غزالٌ مغدور. كمثلِ المستحيلِ متحقّقًا. كمثلِ جولييت تتجرّع سمًّا بعد مشهدِ روميو مسجًّى في تابوت.
ما ألذَّ شكسبير!
أيّتها الهاوية، ما أطيبَ الارتطامَ بالقعر.
جميلًا سيكون منظرُ العالم.
كلّ مقتلةٍ وأنتَ بخيرٍ أيها العدم.