بقلم نبيل بومنصف
لم يكن وضع المجتمع الدولي في احسن أحواله وأداءاته في التعامل مع أزمات العالم وحروبه قبل الغزو الروسي لأوكرانيا قي العام 2022 ، لكن جاء هذا الغزو ليتسبب بمزيد من التمزقات والتضعضع الذي لا يزال حتى الساعة يخدم فلاديمير بوتين في شهوته التدميرية الساحقة لأوكرانيا .
“حلت” حرب غزة بشقيها الهجومي على غلاف غزة من جانب “حماس” والرد “المجازري” على غزة من جانب إسرائيل لتكشف المكشوف وتثبت المثبت في الواقع الدولي الأخذ بالهوان والتفكك والقصور عن احتواء الكوارث المماثلة لحربي أوكرانيا وغزة فلم يكن المجتمع الدولي الا متفرجا مخزيا على مجازر كل من روسيا وإسرائيل في أوكرانيا وغزة .
ليس من باب “تقويم” حصيلة سنتين على حرب بوتين على أوكرانيا او شهرين على ثأر اليمين الإسرائيلي المتطرف من حماس بإبادة غزة نورد هذه الحقيقة التاريخية الاحدث في سجل مجتمع دولي آخذ قدما نحو التخلف عن إحلال ضوابط صارمة امام نزعات الحروب ومسبباتها وتداعياتها ، وإنما فقط من زاوية التنبه الى جموح سياسي واعلامي بدآ يتصاعد عندنا ويرمي تصورات وسيناريوهات استباقية لما يمكن ان تبلوره تحركات ديبلوماسية فرنسية او أميركية او عربية حيال خطر اتساع الحرب الجارية في غزة الى لبنان على نار المواجهات المتواصلة في الجنوب اللبناني .
قبل ان ينكشف الخيط الأبيض من الخيط الأسود ، “تشرقط” في مناخات الحملة الصاعدة ضد كل من ينادي بإعادة الاعتبار فورا الى القرار 1701 معالم تخوين وشيطنة واتهام بخدمة العدو فيما صمت أصحاب هذه المآثر البائدة المتخلفة في التخوين صمت المتواطئين حين حاولت “حماس” التمادي في توظيف تداعيات تفلت الجنوب اللبناني وعودته مسرحا “للأسلحة الممانعة” بإنشاء ميليشيا إضافية خاصة بسيطرتها ونفوذها .
الى جانب “معادلة المساندة” الميدانية التي يمر عليها اليوم تحديدا شهران في الجنوب الحدودي ، صار عندنا معادلة ناشئة عنوانها ان أي مناداة بتنفيذ القرار 1701 هي عودة الى زمن الانفصام الدموي بين معسكري 14 اذار و8 اذار ( فيما نحن عشية الذكرى الثامنة عشرة لاستشهاد جبران تويني اغتيالا وحشيا في ذاك الزمن ) .
وفي المقابل سيغدو من السذاجة التبسيطية ان يظن أصحاب الحق المطلق الذي لا جدل فيه ان المجتمع الدولي مجتمعا عبر أممه المتحدة ام متفرقا عبر دول نافذة سيكون على أهبة تفصيل وصفات حاسمة وجاهزة للبنان ، المفتقر الى كل ما يجسد دولة فيه ، لمنع تطور المواجهات المتصاعدة بين إسرائيل و”حزب الله” وكل من يشركه الحزب في هذه المعادلة من إشعال لبنان بحرب طاحنة لن يبقى منه بقايا البقايا على اثرها .
لعله امر مذهل ان يظهر الواقع السياسي الداخلي بمجمله قصورا كأنه الإدمان على التعامل مع المصالح الدولية حين تتحرك في اتجاه لبنان من منطلق اقرب الى الجهل والتعالي والتشاوف ، فيما لم يعد خافيا على ابسط البسطاء ان الأخطر من خطر الحرب الان هو انعدام أي تصور استباقي لما يمكن ان يلجم هذه الحرب اذا عجزت التحركات الغربية والعربية عن إعادة الاعتبار الى تنفيذ القرار 1701 بلا أي تعديل ، لان التعديل أصلا مستحيل في ظل الواقع الدولي القائم بعد الحرب الروسية على أوكرانيا ، كما ان لبنان فاقد البوصلة والقدرة والقرار في حرب تتهدده ولا من يقود سفينته في هذا الويل المتدحرج . سنسمع تكرارا أناشيد السجالات الداخلية الفارغة ، اما مصير البلد فعلى “كف الميدان” فعلا !