بقلم غسان صليبي
لن أدقق، لا بل لن أتوقف عند ما قاله البطريرك مار بشارة بطرس الراعي بشأن رفضه للحرب الدائرة في الجنوب بإرادة “#حزب الله”، ومن دون العودة إلى المؤسسات الدستورية، واستحقّ الراعي عليه حملة شعواء من التخوين من جماعة الممانعة، التي رفعت هاشتاغ “راعي العملاء”.
لموقفي سببان، والثاني هو موضوع هذا المقال.
السبب الأول لرفضي التوقّف عند تفاصيل ما قاله الراعي، هو إدانتي المطلقة لأي شكل من أشكال التخوين، كردّ على رأي أبداه أيّ مواطن لبناني، أو أيّ مواطن في أي بلد كان، ومهما كان هذا الرأي. موقفي لا ينبع من تمسّكي المطلق بحرية الرأي بقدر ما ينطلق من اعتباري أن التخوين هو ممارسة من خارج دولة القانون؛ فللقانون وحده الحق بالحكم على الأقوال والأفعال، أمّا المخوّنون فهم خارجون عن القانون. التخوين هو حق تدّعيه جماعة، تعطي لنفسها صفة ليست لها، تضعها فوق المواطنين الآخرين، بقوة السلاح أو العقيدة أو الدين، وتحاكمهم على آرائهم.
السبب الثاني لرفضي التوقف عند تفاصيل ما قاله الراعي، هو أن رأي البطريرك يعكس رأي الأكثرية الساحقة عند المسيحيين، والقسم الأكبر عند السنة والدروز، وفئة غير قليلة عند الشيعة. وبالتالي، لا تعود المسألة قضيّة تعني رأي البطريرك، على أهمية موقعه، بل تعني الأغلبية الساحقة عند المواطنين اللبنانيين، الذين يجدون أنفسهم في موقع الاتهام المباشر بالعمالة لإسرائيل، وبالتالي يُصنّفون كخونة لوطنهم.
تستدعي هذه الملاحظة العديد من الأسئلة الموجّهة لفريق الممانعة، الذي بالرغم من تمثيله لشريحة واسعة من المواطنين، يبقى أقليّة بالنسبة إلى مجموع المواطنين.
السؤال الأول هو كيف يقبل فريق الممانعة بشراكة وطنية مع مواطنين لبنانيين يعتبرهم “خونة”؟
السؤال يستولد حكماً أسئلة أخرى.
ألا يعني قبوله بشراكة وطنية مع “خونة” أنه أيضاً “خائن”؟
أم أن ذلك يعني أن هذه الشراكة صُوَرية ومرحليّة، ومصير هؤلاء “الخونة” لن يكون في المستقبل إلا القتل أو العزل أو السجن؟
أم أن عقاب هؤلاء “الخونة” سيكون بحكمهم بالقوة، وعكس إرادتهم في السياسة غداً، كما هي الحال في حالة الحرب اليوم؟
أيّ لبنان يبقى عندما تخوّن أقلية من شعبه الأكثرية منه، وتعطي لنفسها الحق بحكمه بالقوة؟
هل ستخوّنون يا جماعة الممانعة، مرة جديدة، هؤلاء “الخونة”، إن طالبوا بصيغة حكم يعيشون في إطارها أحراراً؟