بقلم رامي شفيق
رداً على هجمات الجيش الإسرائيلي على قرى جنوب لبنان والهجوم في النبطية بشكل خاص، أعلن “حزب الله” ليل أمس الخميس، مسؤوليته عن إطلاق صواريخ “فلاك” الإيرانية على قاعدة المراقبة الجوية في جبل ميرون شمال إسرائيل، وأيضا استهداف مقر قيادة لواء المشاة الثاني في قاعدة “عين زيتيم” بعشرات من صواريخ “الكاتيوشا”.
مع التصعيد المستمر في جنوب لبنان واستمرار “حزب الله” في شنّ هجماتٍ على إسرائيل، باعتبار ذلك ضمن استراتيجية “وحدة الساحات” التي يقودها ما يسمى بـ”محور المقاومة” بينما يرهن المناطق التي يطوّقها وكلاء إيران في الإقليم بين لبنان وسوريا واليمن لحساب أهداف “الولي الفقيه” الميدانية والسياسية، تباشر إسرائيل استهداف قادة “الحرس الثوري” والحزب المدعوم من طهران.
الاستهداف، أمس، الذي طاول القيادي بـ”حزب الله” في النبطية جنوب لبنان، واتّهمه الجيش الإسرائيلي بأنه ضمن المتورطينَ في هجمات صاروخية على الأراضي الإسرائيلية، يتزامن باستهدافات أخرى تجري مؤخراً، كما حدث في حمص، وهي هجمات تتوسع ضد مناطق نفوذ طهران والتي تعتمد عليها القوى الولائية كقاعدة لتوتير المنطقة ورفع درجة التصعيد فيها.
مقامرة إيرانية؟
تمثّل المستوطنات الشمالية أحد الأعباء على حكومة بنيامين نتنياهو، في ظل الأوضاع الأمنية المضّطربة ونزوح المدنيين من تلك المناطق.
بناءً على ذلك، كان ردّ الفعل الإسرائيلي الرسمي في غضون ساعات من الاستهداف بلبنان مفاده وقوع “ضربة إسرائيلية استهدفت سيارة مسؤول عسكري في منطقة الجنوب في حزب الله، ما أدى إلى إصابته بجروح خطرة، كما أصيب شخص آخر كان برفقته”.
واتّهم الجيش الإسرائيلي القيادي بـ”حزب الله”، عباس الدبس، بأنه “متورّطٌ في عدد من عمليات إطلاق (الصواريخ) باتجاه كريات شمونة والمطلة”. بل إن قائد سلاح الجو الإسرائيلي، توعّد “حزب الله” اللبناني، بأنه “سيستمر في دفع الثمن من خلال فقدان منظوماته”.
في كلمة خلال مؤتمر الشؤون العملياتية، قال قائد سلاح الجو الإسرائيلي، تومر بار، إن عشرات الطائرات تحلّق حالياً في سماء جنوب لبنان وبمجرد ورود الأمر ستصبح العشرات مئات لتنفّذ المهام خلال دقائق معدودة من لحظة استنفارها.
“الدبس”.. فتيل الحرب؟
وفي ما يبدو أن عدم رغبة “حزب الله” الاستجابة للجهود الدبلوماسية التي تقوم بها عدة أطراف ووساطات إقليمية وغربية، لجهة ضبط الأمور في لبنان، وإيجاد صيغة للتسوية والسياسية والتهدئة، تفاقم من الأوضاع وتضعها على الحافة.
ما يدلّل على ذلك، استمرار التصعيد في جنوب لبنان يؤدي بالضرورة إلى شنّ هجومٍ من ناحية إسرائيل للردع، الأمر الذي قد يؤدي لتفلت الأمور وتوسيع نطاق الصراع، وبدء الحرب على نحو غير محسوب. وهذا ما ألمح له قائد سلاح الجو عن بدء “اللواء 188” في الجيش الإسرائيلي بمجموعة تدريبات لرفع جاهزيته على الحدود.
وقال الجيش الإسرائيلي، إن المناورة التي يقوم بها هذا اللواء، تتضمن أسلحة مختلفة منها المشاة والمدرعات والهندسة والمدفعية التي تستعد لأي معركة ميدانية محتملة.
إذاً، تشهد المواجهات بين إسرائيل و”حزب الله” في جنوب لبنان تصعيداً خطيراً، الأمر الذي تتضاعف خطورته بعد استهداف الطيران الإسرائيلي عمق مدينة النبطية للمرة الأولى منذ بدء الحرب على غزة. وفي حين لم يعلن “حزب الله” بعد الغارة مقتل أحد من عناصره أو قيادييه، أشارت وسائل إعلام إسرائيلية أن الغارة استهدفت شخصية كبيرة في الحزب.
كما نقلت “وكالة الصحافة الفرنسية” عن مصدر أمني قوله، إن هناك إصابة لمسؤول عسكري في “حزب الله” بجروح جرّاء ضربة إسرائيلية استهدفت سيارته في مدينة النبطية جنوب لبنان. ووفق المصدر فإن “الضربة الإسرائيلية استهدفت سيارة مسؤول عسكري بمنطقة الجنوب في حزب الله ما أدى الى إصابته بجروح خطرة كما أصيب شخص آخر كان برفقته”.
وجرى استهداف السيارة قرب تمثال حسن كامل الصباح، عند مدخل مدينة النبطية. وأوضحت المصادر أن المسؤول العسكري في “حزب الله”، عباس الدبس 45 عاما الملقّب بـ”الحاج عبد الله” قُتل في الهجوم، ومحمود الزلزلي 57 عاماً، وكانا مقرّبَين من “الحرس الثوري” الإيراني.
“حزب الله”.. مغامرات فصيل
في هذا السياق، يشير العميد الركن المتقاعد سعيد القزح، إلى أن استهداف إسرائيل قيادي بـ”حزب الله” في النبطية ليس بجديد. وتابع في إطار تصريحاته لـ”الحل نت” بقوله: إن إسرائيل تلاحق قياديي “حزب الله” منذ انطلاق العمليات العسكرية في “غلاف غزة” من شهر تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي، بينما تلاحقهم وتوقع بهم من خلال استهداف سياراتهم عبر المسيّرات أو بالعبوات الناسفة. وهذا يظهر لنا المدى الكبير للخرق الإسرائيلي للبيئة التي يعمل فيها “حزب الله” ومحور ما يسمى “الممانعة” من خلال تجنيد العملاء.
يؤكد العميد القزح، أن تل أبيب تبدو حريصة على شلّ القدرات العسكرية لـ”حزب الله”، واستنزاف إمكانياتها وربما الوصول لعملية عسكرية شاملة تنهي بها الحركة تماماً. بيد أن واقع الأحداث يشي بكون تلك المرحلة تتماس فقط مع ملامح الجدّية الكبيرة التي توليها إسرائيل صوب القضاء على القيادات في هذا المحور.
من جانبه يؤكد النائب اللبناني، أشرف ريفي، في حديثه مع “الحل نت”، أن الإكراهات التي تتعرض لها لبنان لجرّها نحو حرب واسعة النطاق ستكون شديدة الوطأة على البلاد والمنطقة، برمّتها فضلاً عن صعوبة أن تتحمل لبنان وشعبها مغامرات فصيل واحد يرهن قدرات البلاد لصالح إيران وحساباتها السياسية.
يُلفت ريفي في تصريحاته، أن ثمة أهمية لضبط الوضع في الداخل اللبناني وألا تتحمل البلاد وشعبها بطوائفها المختلفة مغامرات فصيل واحد دون الاهتمام بواقع البلاد ومستقبله.
يضيف النائب ريفي، أن الجميع عليه الانتباه لضرورة عدم المزايدة على القضية الفلسطينية، وأن الجميع يرى ضرورة بسط الاستقرار من خلال ضبط الوضع الميداني، في غزة والوصول لفرض هدنة طويلة تسمح بضبط الأوضاع الميدانية.
ويتابع ريفي بقوله: إن “إيران ووكلائها يتحركون من خلال جبهاتهم الوظيفية ووكلائهم في تلك الساحات، مما يضع الشرق الأوسط أمام سيناريو حرج. وربما يبدو ذلك جليّاً مع متابعة تطورات الأحداث في الأيام الأخيرة سواء في العراق أو سوريا، وكذلك اليمن وجميعهم يخضعون لسيطرة طهران ويعملون وفقاً لأهداف سياساتها الخارجية”.
رسائل بلغة الحديد والنار
هناك كلفة باهظة على كافة المستويات من جرّاء السيولة التي تجتاح جنوب لبنان، وفق ما يراه مؤسس “حركة تحرر من أجل لبنان”، الدكتور علي خليفة، خاصة الاستهداف الأخير الذي ضرب بلدية النبطية في عمق الجنوب اللبناني.
ويلفت خليفة في حديثه لـ”الحل نت”، إلى أن ذلك من شأنه أن يراكم احتمالات التصعيد غير المنضبط وتغيّر قواعد الاشتباك، بما يسمح بترجيح انفراط الأمر نحو مواجهات شاملة، ومما يضع لبنان والمنطقة برمّتها في خطر كبير. فضلا عن كم المعاناة التي يتعرض لها المواطن في الجنوب، واستمرار عمليات النزوح دون أي تغطية من “حزب الله” الذي يُعدّ المسؤول عن ذلك.
إلى ذلك يرى الكاتب اللبناني، حنا صالح، أن الهجوم الأخير الذي استهدف “حزب الله” في النبطية ردّاً على هجمات الأخير ينذر بخطر كبير طالما حُذّر منه. وأضاف في إطار تصريحاته لـ”الحل نت”، أن تحرّك “حزب الله” في لبنان وبقية وكلاء إيران نحو الزعم برهن طلب وقف النار على جبهة الجنوب والجبهات المماثلة بوقف الحرب على غزة لا يعني سوى المغامرة بواقع المنطقة ومستقبلها، لصالح طهران التي تعمل من خلال جبهات رديفة وميليشيات بعيدة عن أرضها.
فضلاً عن تحرّكها التكتيكي بربط اسمها بالقضية الفلسطينية عبر تلك الميليشيات الوظيفية والضغط على القوى الدولية والولايات المتحدة الأميركية بشكل خاص؛ لخدمة أهدافها الخاصة طالما أن ذلك يحفظ لها موطئ قدم في القضية الفلسطينية.
إلى ذلك، يتابع المؤسس بحركة “تحرر لبنان” الدكتور علي خليفة، حديثه قائلا؛ إن ما يحدث حاليا من تسخين الجبهة خارج نطاق العمليات السابقة الخاضعة لقواعد الاشتباك، إنما هو في حقيقته رسائل بلغة الحديد والنار للاستفادة منها في المفاوضات على التسوية التي نسمع عنها وبشروطٍ يحاول كلّ من الطرفين فرضها على الآخر.
آلة الحرب الإسرائيلية متفوّقة بقوة النار وبالدقة والتكنولوجيا والقدرة على الاستهدافات الموجعة و”حزب الله” الذي خاض المواجهة على غير توقيته ولهدف غير الهدف الذي يرتبط بالأمن اللبناني والوحدة الوطنية اللبنانية، فهو ينشد الحفاظ على الحد الأدنى من مقومات “وحدة الساحات”؛ فيصبح ورقة تفاوض بيد اللاعبين الإقليميين ومنهم إيران في الوقت الذي يفتح باب التسوية وهو سيكون فيها حتماً أقلّ الرّابحين.