بين لونا الشبل… وطل الملوحي

كتبت رانية الدريدي

كُتب الفصل الأخير في حياة لونا الشبل، المستشارة الإعلامية لرئيس النظام السوري بشار الأسد، بكثير من الغموض، إذ تعددت السيناريوهات التي تنتهي جميعها بتصفيتها بعد انتهاء مهمتها. لم يشفع لها أمام قاتلها كل ما قدمته لتجميل صورة النظام القبيحة، فلم يحضر في بالها ربما عذاب الملايين من أبناء وطنها الذين قتلتهم بكلمتها التي حفرت قبوراً وكتمت نداءات الحرية.

سأكتفي بهذا القدر عن لونا، فهي ليست إلا نقطة سوداء في صفحة أكثر سواداً في تاريخ سوريا. ما دفعني للكتابة عنها هو صدى مقتلها بين من يُحسب أنهم إعلاميون، وكيف تعلل كثيرون في تدويناتهم بمهنيتها أثناء عملها كمقدمة أخبار وبرامج في فترة زمنية معينة، ناسين أو متناسين صفحات أكثر نصعاً لنساء يستحقن هذا التقدير.

سأعيد هنا صفحة طل الملوحي.

طل، تلك الفتاة التي لم تعرف من الدنيا ما عرفته لونا من علم وسلطة ونفوذ، لكن للمفارقة دفعت حياتها وشبابها لتعليم السائرين على دربها معاني تصعب على لونا وأمثالها.

المدونة طل الملوحي، التي لو قُدر لها أن تعيش لكانت صحفية وكاتبة وربما إعلامية ذات شأن كبير. طل، التي تبلغ الآن 33 عاماً، من مواليد 1991، زُج بها في سجون النظام السوري عام 2009 حين كان عمرها 18 عاماً فقط بتهمة “التجسس وإفشاء معلومات لدولة أجنبية”.

الحقيقة أن هذه الفتاة الفطنة كانت ناشطة ومدونة إلكترونية لا أكثر، تكتب خواطرها وأشعارها ونصوصاً تناولت فيها هموماً إنسانية مشروعة تدل على مستوى وعيها رغم صغر سنها، وربما هذا أكثر ما أرعب النظام من هذه الفتاة الصغيرة، ما استدعى أمثال لونا لإسكاتها.

جرى استدعاء طل أول مرة عام 2006 على خلفية مناشدتها في إحدى نصوصها الإلكترونية رئيس النظام بشار الأسد للإسراع في عملية تحول ديمقراطية في سوريا، وهي في سن الـ 15 من عمرها. في عام 2009، اعتقلت وانقطعت أخبارها، وما عرف عنها أنها في حبس انفرادي تحت التعذيب والحرمان، لا أحد يراها ولا ترى أحداً.

طل الملوحي تعد من بين أصغر معتقلات الرأي في العالم.

هنا أعود للإعلاميين “المهنيين” الذين مجدوا لونا، هل ذكرتم مرة طل منذ عام 2009؟ ألا تستحق هذه الأيقونة من يتذكرها وينبش في مصيرها وذكرى تليق بها؟ أدعوكم إلى العودة وقراءة مدونتها. ستجدون في المدونة نصوصاً وخواطر عن فلسطين وعن الحرية وعن الإنسان الصادق والصديق وعن الديمقراطية وعن وطن عربي حر.

هل لاحظتم الفرق بين لونا وطل، ومن يستحق يا ترى وسام المهنية والوطنية؟ نعم، جمعهما وطن واحد، ولكن كل منهما اختارت طريقاً مختلفاً، فاختلفت الأثمان والمكانة في قلوب الناس أيضاً. طل التي تدفع ثمن إيمانها بالكرامة، برأس مرفوع وشموخ لا يضاهيه شيء، ولونا التي اختارت تبييض جرائم الكيماوي فاكتوت في الأخير بنار جرمه.

اخترنا لك