بزشكيان يواجه تحدي السعي إلى الانفتاح على المحيطين الإقليمي والدولي

الرؤساء الإيرانيون منذ انتصار الثورة 1979 وحتى اليوم يحكمون في ظل ولاية الفقيه

بقلم سوسن مهنا

تمكنت السلطات الإيرانية من إجراء الانتخابات الرئاسية “الطارئة” بعد وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي في حادثة تحطم مروحيته في الـ19 من مايو (أيار) الماضي، وفي أقل من 50 يوماً انتقلت الرئاسة من المتشددين إلى الإصلاحيين، وذلك بعد 19 عاماً من وصول آخر رئيس إصلاحي وهو محمد خاتمي، إذ شهدت البلاد في الأعوام الأخيرة، على إزاحة الإصلاحيين من السلطة، في عملية يعرف عنها الإعلام الإيراني باسم “التجانس”، أي استبدال أي شخص في السلطة ليس من مؤيدي المرشد الأعلى علي خامنئي بشخص آخر من المحافظين.

وقالت الولايات المتحدة الإثنين إنها لا تتوقّع أي تغيير في سياسة إيران بعد انتخاب الإصلاحي مسعود بزشكيان رئيساً للبلاد، معتبرة أن هذا التطوّر لا يعزز احتمالات استئناف الحوار. وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر في تصريح للصحافيين “لا نتوقع أن يقود هذا الانتخاب إلى تغيير جوهري في توجهات إيران وسياساتها”.

فوز بزشكيان، عدّه مراقبون بأنه “غير متوقع”، فيما رأى آخرون أن النظام الإيراني أراد وصول شخص إصلاحي في هذه المرحلة الدقيقة، لامتصاص موجات المعارضة الداخلية، أولاً، ومخاطبة الغرب بتقديم صورة عن مؤشرات إلى تغيير في سياسته الخارجية، بخاصة بعد اندلاع حرب غزة، والتوترات التي لحقت بالمنطقة جراء ذلك.أيضاً وتاريخياً، عندما تريد إيران فتح قنوات لحوار مع الولايات المتحدة والمجتمع الغربي، يكون ذلك عبر رئيس إصلاحي، وهذا ما حدث في فترة الرئيس السابق حسن روحاني، الذي كان ضمن التيار المعتدل، وكسر قطيعة مع واشنطن استمرت منذ اندلاع الثورة الإيرانية في عام 1979، عبر أول اتصال هاتفي بين رئيس أميركي وآخر إيراني، وذلك خلال ولاية الرئيس السابق باراك أوباما، وجرى لاحقاً التوقيع على “اتفاق لوزان النووي” في أبريل (نيسان) 2015، الذي وقعته طهران إضافة إلى الدول الست الصين وروسيا وأميركا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا، وعدته واشنطن “اتفاقاً تاريخياً”.

الصلاحيات ومدى الاستقلالية

ولعله من المبكر قراءة المشهد الإيراني السياسي القادم، داخلياً وخارجياً. والسؤال البديهي هو ما هي صلاحيات رئيس الجمهورية، وهل يتمتع باستقلالية أو أنه في “خدمة النظام”؟

في النظام السياسي الإيراني، يمكن القول إن رئيس الجمهورية هو جزء من النظام الأوسع الذي يشمل المرشد الأعلى والمؤسسات الأخرى. ووفقاً للدستور، المرشد الأعلى هو أعلى سلطة ولديه صلاحيات واسعة تشمل الإشراف على القوات المسلحة والسياسات الخارجية والقضائية. ويُنتخَب رئيس الجمهورية من قبل الشعب ويدير الحكومة، إذ لم يعد هناك منصب لرئيس الوزراء منذ عام 1989، وذلك بناءً على تعديل دستوري جرى في ذلك العام.

ووفقاً للسلطات الإيرانية كان هناك تداخل في الصلاحيات والمسؤوليات بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، مما أدى إلى نزاعات وصراعات بين الشخصين حول السلطة والسياسات. كم أن إلغاء المنصب سمح بتركيز السلطة التنفيذية في يد رئيس الجمهورية، مما يعزز من قدرة الحكومة على اتخاذ قرارات سريعة وفعالة من دون الحاجة إلى التنسيق المستمر بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، إضافة إلى جعل النظام السياسي أكثر بساطة ووضوحاً، إذ أصبحت الصلاحيات والمسؤوليات التنفيذية تتركز في يد رئيس الجمهورية وتحت إشراف المرشد الأعلى. بمعنى آخر، يعمل رئيس الجمهورية ضمن إطار النظام الذي يحدده المرشد الأعلى والمؤسسات المرتبطة به.
هل من الممكن القول إن رئيس الجمهورية يخدم النظام الأوسع، إذ إن القرارات والسياسات المهمة تكون غالباً تحت إشراف المرشد الأعلى علي خامنئي؟ ومن يخدم من؟

وللدخول أكثر في تفاصيل هذا الملف استطلعت “اندبندنت عربية” آراء باحثين ومتخصصين من المنطقة والإقليم، تحديداً من السعودية، مصر، إيران ولبنان.
يعتبر الدبلوماسي الإيراني السابق الباحث الإستراتيجي أمير الموسوي، أشار إلى أن “رئيس الجمهورية الإيرانية هو الرجل الثاني أو المسؤول الثاني وذلك وفقاً للدستور، أما الرجل الأول ووفقاً للمادة 110، فهو المرشد الأعلى قائد الثورة الإسلامية ومقام ولاية الفقيه هو الذي يرسم الإستراتيجية الكبرى للبلد، داخلياً وخارجياً، وهو القائد العام للقوات المسلحة وكل القوى العسكرية والأمنية تحت إشراف المرشد الأعلى، وهو من يعين رئيس القضاء ورئيس الإعلام الرسمي للإذاعة والتلفزيون، وكذلك ستة من أعضاء مجلس صيانة الدستور، أما الستة الآخرون فهم من الحقوقيين والقانونيين ينتخبهم البرلمان، هذا المجلس هو المسؤول عن تأييد القوانين التي يصادق عليها البرلمان، إذ ينظر بالقوانين وبأنها لا تخالف الشرع الإسلامي ولا الدستور”. ويتابع الموسوي “أن من صلاحيات المرشد أيضاً، تعيين أعضاء مجمع تشخيص مصلحة النظام، والقيادات العسكرية والأمنية وعند تشكيل الحكومة يجب أن تؤخذ وجهة نظر المرشد الأعلى، بأسماء الوزراء السياديين، ومنهم الاستخبارات والخارجية”.

ماذا عن صلاحيات رئيس الجمهورية؟

يشير الموسوي إلى أن “رئيس الجمهورية يمسك بالملفات الاقتصادية والمالية وتعيين السفراء والملفات الاجتماعية والثقافية، ويترأس مجمع الأمن القومي ومجلس الثقافة العليا، لكن مهمة إعلان الحرب وإيقافها، فلا يتدخل فيها ولكنه يساعد فيها لوجستياً”. ويتابع أن “السياسة الخارجية بيد وزير الخارجية، ولكن في القضايا الحساسة مثل العلاقات مع الولايات المتحدة والملف النووي، والقضية الفلسطينية ومحاربة الإرهاب، لا بد من الرجوع إلى المرشد الأعلى أي القائد العام للقوات المسلحة”.

وهنا تطرح تساؤلات حول تغير السياسة الخارجية بعد وصول بزشكيان الذي كان قال “سنمد يد الصداقة للجميع، نحن جميعنا شعب هذا البلد. علينا الاستعانة بالجميع من أجل تقدم البلد”.

ويقول الموسوي “إن هناك تجربتين في هذا السياق، تجربة روحاني، الذي استطاع أن يأخذ الضوء الأخضر وصلاحيات واسعة من المرشد الأعلى للتفاوض مع الولايات المتحدة بصورة مباشرة أو غير مباشرة، إذ توصل إلى توقيع الاتفاق النووي عام 2015، إضافة إلى تجربة رئيسي الذي حصل على الضوء الأخضر في التعامل مع الدول التي كانت على خصومة مع إيران، واستطاع أن يحل تلك الملفات وأن يتوصل إلى عقد علاقات جيدة جداً معها، وتوج ذلك بزيارة إلى السعودية، ووجه دعوة للملك سلمان بن عبدالعزيز ولولي العهد الأمير محمد بن سلمان لزيارة طهران”. وهذه دلالة “على أن الرئيس يستطيع أن يأخذ الإذن الجيد والضوء الأخضر للتحرك الواسع في العلاقات الدولية”، على حد تعبير الموسوي. وأضاف أن “هاتين التجربتين تحضران الآن أمام السيد بزشكيان الذي باستطاعته أن يذهب بعيداً جداً في التفاوض، لإرجاع وإحياء الاتفاق النووي، والعلاقة مع واشنطن ودعم العلاقات الإقليمية وتقويتها بما في ذلك العلاقات مع الدول الخليجية”.

الكلمة الفصل للمرشد

من هنا يشير بعض متابعي السياسات الإيرانية إلى أنه لن يستطيع الرئيس المنتخب إحداث فرق أو تحول في السياسات الخارجية، سواء كان حول البرنامج النووي أو الفصائل المسلحة المدعومة إيرانياً في الشرق الأوسط، ويرجعون ذلك إلى تاريخ الرؤساء منذ الثورة عام 1979 حتى الآن، إذ إن القوة الحقيقية تتوزع بين عدد من الأجهزة غير المنتخبة، ويسيطر عليها رجال الدين وتتضمن المرشد الأعلى ومجلس صيانة الدستور والحرس الثوري وهم الأقوى مقارنة مع الرؤساء، كما أن السلطة النهائية والكلمة الأخيرة في القرارات المفصلية والشؤون العليا للدولة عائدة للمرشد، وينتخب الرئيس الإيراني لفترتين بحد أقصى، مدة الواحدة أربعة أعوام، وبقي رئيس واحد في المشهد السياسي الإيراني منذ عام 1979، وهو الرئيس الثالث خامنئي الذي أصبح المرشد الأعلى الحالي، وكان أحد مرافقي المؤسس الخميني.

يقول الكاتب والباحث السعودي في العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران، حسن المصطفى إنه “فضلاً عن أن الدستور أعطى صلاحيات مختلفة لكل سلطة، هناك تداخل مع الميول الحزبية والتوجهات السياسية، وهي تداخلات تؤثر كثيراً في العمل الحكومي، كما أن بزشكيان قادم من المعسكر الإصلاحي، فيما مجلس الشورى تسيطر عليه غالبية محافظة متشددة، من القوى الثورية التي تختلف في توجهاتها مع الرئيس الجديد”.

ويتابع أن “التحدي الأول أمام بزشكيان هو تمرير تشكيلته الوزارية عبر مجلس الشورى، الذي قد يعترض على بعض الأسماء، أو يؤخرها بهدف أن يكون هناك حضور ولو نسبي للتيار المتشدد في الحكومة الجديدة”. ويضيف أن “إيران التي يتربع على هرمها السياسي مرشد الثورة، هو الآخر لديه صلاحيات دستورية واسعة، ووفقها يمكنه وضع الخطوط العريضة للسياسة الخارجية للبلاد، التي على رئيس الجمهورية الالتزام بها”.

كيفية صناعة القرار في إيران ومن يصنعه

في هذا الخصوص يشير الإعلامي والأستاذ الجامعي في الفلسفة وعلم الكلام في الجامعة اللبنانية، محمد شمص إلى “أن هناك التباساً دائماً في الإعلام حول منصب الرئيس في إيران، والنظام في إيران ليس رئاسياً، إذ إن الرئيس هو بمثابة رئيس للوزراء، المنصب الأول هو منصب الولي الفقيه، ويأتي بعده رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء، وألغي منصب رئيس الوزراء وأعطيت صلاحيته لرئيس الجمهورية”.

ويتابع أنه “إذا أردنا أن نعلم مَن يدعم مَن، ومَن يخدم مَن، ينبغي علينا معرفة كيفية صناعة القرار في إيران ومَن يصنعه، هناك في المطبخ السياسي مجموعة مؤسسات تصنع القرار بالدرجة الأولى هي موقع القائد الولي الفقيه في الدستور وفي الصلاحيات، ثم مجلس الأمن القومي الإيراني، ويأتي معهم مجلس الشورى، ولاحقاً مجلس تشخيص مصلحة النظام، وصولاً إلى الحوزة العلمية وتأثيرها، إضافة إلى وجود مؤسسات تؤثر في صناعة القرار مثل الحرس الثوري والأمن القومي ورئاسة الجمهورية وأخرى تؤثر مثل مجلس تشخيص مصلحة النظام، والحوزة العلمية، ولكن ليس لها قوة تنفيذية أو إجرائية في الدستور”. من هنا يخلص الباحث شمص إلى أن “الرئيس يخدم النظام وهو جزء من هذا النظام، لذا أي تغيير في شخص الرئيس سواء كان إصلاحياً أو محافظاً، لن يغير في جوهر النظام وصورته في إيران”

اخترنا لك