بقلم عقل العويط
على هذه الشاشة الكونية
الواقع سبّاق. ورؤيا. كالسينما. كالشعر. كالرواية. وكالنبؤات “الإلهيّة”.
هل يجب أنْ يتحوّل الكون بأسره، برًّا وبحرًا وجوًّا، وتحت الأرض، والكوزموس، والخلاء الأعظم، إلى حلبة قياميّة، تتصادم فيها غرف العمليّات الجراحيّة والقطارات والسيّارات والطائرات والسفن والغوّاصات والمركبات الفضائيّة، وتتداخل فيها أنظمة الخبل بأنظمة العقل، وأنظمة الصرف الصحّيّ بأنظمة مياه الشرب، والهواتف، والكومبيوترات، والشاشات، والرادارات، ووسائل التواصل، والأزرار النوويّة، وجنون البقر بجنون بالبشر، وتتمازج حواسيب الذكاءين الاصطناعيّ والطبيعيّ، وتتضاجع، وتتناسل، لكي نستشرف احتمالات المصير البشريّ في المقبل من الأيّام؟
في هذا الباب أعلاه، لا أعتقد أنّ عالم الاحتمال أقلّ من عالم اليقين، أو أنّ عالم اليقين أقلّ من عالم الاحتمال. إنّ هذا لقريبٌ جدًّا على هذه الشاشة الكونية!
وداعًا كولومبوس؟
الحيوان المحتضر يحتضر. ينظر إلى العالم بعينَين غائبتَين ولا يرى شيئًا. ويرى كلّ شيء. في غيومه تمرّ أفلام ذكرياته مغبّشةً، ملبّدةً، وحيرى. يتألّم بأسى، كاتمًا الحشرجات، مستبعدًا ما يخشى، مستعيدًا ما يحلو له أنْ يستعيد، مستحضرًا حَبْوَه المتعثّر، حليب أمّه وجبروت أبيه، وما يتبادر من هوَس الغلبة، مناديًا، من سحيق الذاكرة صدى تربّصاته، وإيقاعات الخيلاء، عابرًا فصول التلال والروابي، والوعر من الجبال، معانقًا لحظات الأنفة والكبرياء، ومستحثًّا شميم أيّامه المجيدة ومشاعر الانتباه واليقظة. لكن، دون جدوى.
تراه، لماذا يلحّ عليه مشهد الاحتضار؟
يحاول أنْ يهبّ من شبه الهزيع الأخير، من شبه الموت. يعقد العزم على استجماع ما بقي من فتات الولائم والأيّام، لعلّه ينهض بثبات. لكن من أين له أنْ يطلّ على الحكايات المندثرة. من أين له أن يفتتح الشرفات. وإذ لا يعثر على سوى جسمه المتهاوي، يستولي عليه شريطٌ متشابكٌ من مرارات اللحظات والأمكنة والأحوال، فتتهادى من البعيد البعيد فلول فرائسه بخطواتها الأنيقة، غزلانًا وأيائل، فيفترّ، ثمّ كأنّه يتلمّظ، لكنْ سرعان ما يغمض عينيه محاولًا النوم. إنّما هيهات. لا يستطيع أنْ ينام.
الحيوان المحتضر ليس عنوانًا لأحد كتب فيليب روث. إنّه حال البشريّة اليوم. هل أقول، تيمّنًا بهذا الكاتب الأميركيّ، “وداعًا كولومبوس”، وداعًا إيّها العالم؟!
القضيّة اللبنانيّة
ليست مسألة أرض. ولا مسألة جغرافيا. ولا مسألة دين وطائفة ومذهب. ولا مسألة ميثاق. ولا مسألة عرف. ولا مسألة طائف. ولا مسألة دستور. ولا مسألة تعديلات دستوريّة. ولا مسألة ديموغرافيا. ولا مسألة أكثريّة. ولا مسألة أقلّيّة. ولا مسألة حوار. ولا مسألة متصرفيّة. ولا مسألة جبل لبنان. ولا مسألة ساحل. ولا مسألة أقضية أربعة. ولا مسألة انتداب. ولا مسألة احتلال اسرائيليّ. ولا مسألة بلاد الشام. ولا مسألة احتلال سوريّ. ولا مسألة احتلال إيرانيّ. ولا مسألة أمركة. ولا مسألة أسرلة. ولا مسألة صهينة. ولا مسألة شيعة وسنّة. ولا مسألة إسلام ومسيحيّة. ولا مسألة غرب. ولا مسألة شرق. ولا مسألة هجرة. ولا مسألة نازحين. ولا مسألة لاجئين. ولا مسألة اقتصاد حرّ. ولا مسألة فقراء وأغنياء. ولا مسألة طبقيّة. ولا مسألة مناخ. ولا مسألة فينيقيا. ولا مسألة دولة مركزيّة. ولا مسألة لامركزيّة إداريّة وماليّة. ولا مسألة فيديراليّة. ولا مسألة كونفيديراليّة. ولا مسألة إدارة ذاتيّة. ولا مسألة حرب وسلام.
القضيّة اللبنانيّة هي هذه كلّها وغيرها. لكنّها أكثر. بل أقلّ. بل أقلّ. أكرّر: بل أقلّ.
وهي سوى ذلك، بداهة.
بل اكثر. مسألة حياة أو موت. كالبساطة القصوى. وهذه فطرةٌ. وموهبةٌ. كثقافة الحرّيّة.