كتب الخبير الدستوري المحامي انطونيو فرحات
تشهد البلاد فوضى دستورية وسياسية لا سابق لها في التاريخ الحديث، فبين إغلاق المجلس النيابي وعدم ممارسة النواب واجبهم الوطني المتجسد بانتخاب رئيس للجمهورية وبين المطالبة بالحوار كشرط مسبق لفتح أبواب المجلس وبين مطالبة بعض النواب مسائلة حكومة تصريف الأعمال عن الأعمال الحربية في جنوب لبنان، نجد ان هناك هستيرية قانونية دستورية وأفعال لا ترتقِ إلى مصاف رجالات دولة.
وبالتالي، فإن السؤال الذي يطرح اليوم هل يجوز مسائلة حكومة تصريف الأعمال؟
يتجلى بعد العودة إلى الدستور أن الفقرة (هـ) من المادة ٦٩ منه تعتبر الحكومة مستقيلة في حالة بدء ولاية مجلس نواب جديد، فيغدو المجلس النيابي حكماً في دورة إنعقاد استثنائية حتى يتم تأليف حكومة جديدة ونيلها الثقة.
ويتبدى أن الحكومة المستقيلة تستمر بإدارة مصالح الدولة إلى حين تشكيل حكومة جديدة. وهذا ما يعرف “بتصريف الاعمال”.
وعليه، يترتب على مفهوم تصريف الأعمال نتائج دستورية وقانونية لعل أبرزها:
-توجب إستمرار الإدارة خلال المرحلة الانتقالية بين حكومة مستقيلة وحكومة جديدة.
-لا يحق لحكومة تصريف الأعمال إتخاذ قرارات سياسية لانها لن تحاسب على تلك القرارات سيما أنها فقدت الثقة التي كانت ممنوحة لها من المجلس النيابي، بالاضافة إلى عدم إمكانية المجلس من محاسبة الحكومة على أفعالها أو أعمالها.
بيد أنه يحق لحكومة تصريف الأعمال وفي ظروف استثنائية ممارسة صلاحياتها في حال توفر ظروف متعلقة بالنظام العام وأمن الدولة الداخلي والخارجي وذلك حرصاً على سلامة الدولة وأمن المجتمع.
ففي هذه الحالة -أي الظروف الاستثنائية- تمارس الحكومة المستقيلة صلاحياتها لكن قراراتها وتدابيرها تخضع لرقابة القضاء الإداري أي مجلس الشورى وذلك لعدم إمكانية مجلس النواب من ممارسة حقه وواجبه بالرقابة على أعمال حكومة تصريف الأعمال بالإضافة إلى زوال المسؤولية الوزارية.
أبعد من ذلك نصت المادة ٧٥ من الدستور على أن المجلس الملتئم لانتخاب رئيس للجمهورية يعتبر هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية ويترتب عليه الشروع حالاً في انتخاب رئيس الدولة دون مناقشة او اجراء اي عمل آخر.
فلا يجوز للمعارضة النيابية ان تنزلق إلى هذا الخطأ بالرغم من أهمية وأبعاد الخطوة على المستوى السياسي لانها تبقى غير دستورية أسوةً بإقفال المجلس النيابي وعدم السماح بانتخاب رئيس للجمهورية.
رُبَ قائلٍ أن ضرب الميت حرام وإن مسائلة المعارضة للحكومة كذلك، لانه مفروض أن يتأتى عن المسائلة استجواب للحكومة والاستجواب يمكن أن يتحول إلى طرح ثقة او احالة أعضاء الحكومة او بعضهم إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، فكيف سيتم هذا الإجراء ونحن امام حكومة مستقيلة؟؟
بالنتيجة إن ما طرح من حوارات ومساءلات في ظل فراغ رئاسي وحكومة تصريف أعمال لا تتعدى كونها مماحكات سياسية تنعكس سلباً على مبدأ قيام الوطن من كبوته وتمزيق ما تبقى من دستور مفروض ان يكون الراعي والحامي والمنظم للحياة السياسية بين أبناء الوطن الواحد.