عدالة السّماء تتحقّق

كتبت غادة المرّ

السنة الرابعة على تفجير #مرفأ_بيروت في #٤_آب ٢٠٢٠
خاص #بوابة_بيروت – #مشروع_ذاكرة تحية لروح #ملاك_بظاظا

قومي يا بيروتَ من تحت الرّدم والرّماد،
إخلعي عنك ثوب الذلّ، والموت والوجع امسحي دموع الظلم والغدر والدّمار.

قومي من تحت الردم كزهرة في نيسان،
إن الثورة، إنّ الثورة تولد من رحم الأحزان.


اليوم، جيئتك يا بيروت… وحيدة

فنجان قهوة، قلم و ورقة في مقهىً قديم دافء، صوت فيروز وجلسة هادئة.

أحلم…

كلّ شيء من حولي يحدّثني عنك، كأنّ الكون، الأماكن والصّور قد اتفقوا ضدي.

بمفردي، بلا كتف ثالث، فقط ضعفي وقوّتي، ثباتي و انهياري. لا أحد سندي غيري.

أحياناً، لا تعرف ما معنى أن تعشق مدينة تعيش فيك، ترفض أن ترحل عنها، تناضل، تقاسي وتحزن، ورغم كلً التعب والفوضى التّي تسكنك، تختار أن تبقى.

هذا الصّباح، تجتاحني رغبة خفيّة، أن أحضن مدينتي وأبكي.

أن أسير في شوارعها، طرقاتها وزواريبها الضيّقة، وأنا أدندن كلمات أغنية عالقة في الذاكرة : لبيروت ، من قلبي سلام لبيروت وقُبَل للبحر والبيوت.

أن أرشف قهوتي في مقهىً قديم وأنا سارحة في أفكاري، أحاول طرد تلك الصور والأحداث المؤلمة، حين على غفلة منا، اغتالوا مدينتي وخطفوا ألوانها، ضحكاتها وفرحها. وقتلوا الأمل فينا.
أحاول محو تاريخ الرابع من آب المشؤوم من عيوني وذاكرتي ومن التاريخ.

أشم رائحة القهوة الممزوجة بعبير الورد والياسمين وعراقة مدينة فينيقية الجذور ،شرقية الهوى وغربية الثّقافة والملامح.

أردت اليوم أن أجلس وحيدةً ، وأسير في الطّرقات وحيدة، أرغب أن أستوقف المارّة وأسألهم بصوت عالٍ وأصرخ، أه يا عشاق بيروت القدامى، هل وجدتم بعد بيروت البديل ؟

أنا لم أجد.

أردت أن أنسى كلّ الدّنيا، أن أحادثها ، أخبرها كم يقتلنا حزنها، وجعها وصمتها.

أن أسمع صوتها، ضجيج ناسها وحكايات بيوت بيروت العتيقة.

أردت أن أخبرها أنّنا … وأنّني أقتبس الطمأنينة منها، وأنّنا … وأننّي تركت العالم خلفي ينهار واخترت الالتفات الى مدينتي بيروت.

عن تلك المدينة العنيدة الرائعة أتكلّم.

بعد الرّابع من آب المشؤوم، أشياء كثيرة فينا سكتت، وأدركنا أنّ في الحياة فترات انتقالية، فترات محبطة، صدمات لا يمكن اجتيازها دون أن يموت شيء بداخلنا، وحين نعجز عن تغير الواقع اللّعين، وكي نحمي أنفسنا، نتجاهل ونمضي بسكون.

أعرف كم هي مرهقة أيامنا هذه ، أصبحنا ناضجين قبل الأوان، حذرين ونحن في مساحاتنا الواسعة، أصبحت الكلمات تؤرقنا والذكريات تعيدنا لمربّع الصمت.

أصبح العالم لغزاً بالنسبة الينا.

ماذا لو كانت لدينا القدرة على العيش بداخل ذكرى مدينة ؟ أيّ يوم سوف نختار ؟

ما انفكت الحياة تضربنا بصفعات لا تنتهي من الخذلان والوجع والخيبات، فيتحوّل الحلم في داخلنا إلى صنم جامد لا يتحرّك.

اليوم، أراقب نفسي، الناس, كلّ شيء، بيروت… كل شيء من حولي بخير، لكنّه لا يتنفس…

سأعطي لقلبي النسيان، النسيان المريح الذي يشتهيه المخذولون في كلّ شيء.

لا بأس يا بيروت، أحياناً لا يجب أن نخوض المعركة الخاسرة والمعركة التي ليست لنا.

وإنّه اليوم جيئتك، أطرق الباب، وأقول لهم ولك، آن الأوان أن نختار، أن نختارك أنت.

اليوم أهمس لك أنّ شياطين العالم، من دنّسوك بحقدهم واستباحوا قدسيتك بفجورهم، ومن شوّهوا جمالك و تاريخك وحضارتك وصادروا حريّتك وصوتك وكتموا صوت الحق والعدل والحرّية … إنّهم و لربّي يدفعون الثمن الآن .

إفرحي، إن الأشرار، قاتلي الحق والحقيقة على هذه الأرض، خسروا وفشلوا في قتلك.

هم إلى زوال، وها هي عدالة السّماء تتحقق.

قومي يا بيروت من تحت الردم وانفضي غبار الحزن عنك، فانت مدينة يليق بها الفرح والحياة.

يا مدينة الصلاة من أجلك نصلّي.

اخترنا لك