النهار
بكثير من الحذر الذي تمليه طبيعة تطورات حربية لا يمكن التكهّن بمفاجآتها في أي لحظة، يمكن القول إن مجموعة عوامل نجحت مبدئياً في تمرير الأيام الأخيرة امتداداً حتى غد الخميس لضمان انعقاد المفاوضات حول تسوية في غزة، دعت إليها الولايات المتحدة ومصر وقطر.
وإذا كانت “ديبلوماسية البوارج” الثقيلة جداً تشكل أحد أبرز “الفرامل” العملاقة التي تقف وراء تمرير موعد المفاوضات غداً، فإن لبنان وجد نفسه وبدوره مرتبطاً واقعياً بديبلوماسية اللحظة الأخيرة التي يسعى من خلالها الأميركيون، مدعومين بحلفائهم لا سيما منهم فرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا، وهي الدول التي أصدر زعماؤها بياناً خماسياً مشتركاً مساء الاثنين الماضي، إلى خفض التوتر واحتواء خطر حرب واسعة تنطلق من لبنان تحديداً في حال حصول ردّ لـ”حزب الله” وإيران على إسرائيل بسقف يتجاوز الخطوط الحمراء التي تردع إنفجاراً حربياً كبيراً.
وفي ظل هذا المناخ ينتقل اليوم موفد الرئيس الأميركي إلى إسرائيل ولبنان آموس هوكشتاين من تل ابيب الموجود فيها منذ يومين، إلى بيروت، في ما يوصف بالفرصة الأخيرة للمكوكية الديبلوماسية الأميركية الساعية إلى اطلاق مفاوضات التسوية على الجبهة اللبنانية- الإسرائيلية، قبل انفلات موجة حربية تثير المخاوف من إشعال حرب واسعة من شأنها أن تورّط فيها دولاً كبرى كالولايات المتحدة الأميركية دفاعاً عن إسرائيل أو تحديداً لإطار الحرب بغية عدم امتدادها إلى دول عدة في المنطقة.
ولذا ستكون مهمة هوكشتاين هذه المرة مصيرية بكل المعايير إن لجهة احتواء التصعيد عشية المفاوضات حول غزة التي ستنعكس مباشرة على الجنوب، أو لجهة بلورة الاتجاهات المتصلة بردّي “حزب الله” وإيران على إسرائيل، علماً أن الحزب وطهران يشدّدان على أن الردّ حتمي ولن يتأثر لا بالضغوط ولا بأي ربط بالمفاوضات وغيرها.
ومن المقرر مبدئياً أن يلتقي هوكشتاين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبدالله بو حبيب وقائد الجيش العماد جوزف عون. وأفادت معلومات أن المبعوث الأميركي يحمل في مهمته بين تل ابيب وبيروت رسالة صارمة إلى المسؤولين الإسرائيليين واللبنانيين مفادها أن “لا مجال للمناورة، والحرب ستؤذي الطرفين وإن لم تذهبوا اليوم للتفاوض فذلك سيكلفكم الكثير من الدماء والدمار وفي النهاية كلّ حرب تنتهي بالتفاوض، فلتذهبوا اليوم إلى المفاوضات بدل تكبيد البلدين دماراً إضافيًّا”.
وأفادت وكالة تسنيم الإيرانية نقلاً عن مصادر لبنانية أن هوكشتاين يعود إلى بيروت في محاولة لمنع “حزب الله “من الرد على إسرائيل ولا يحمل أي حل للأزمة.
أما الجانب الحكومي اللبناني، فسيبلغ هوكشتاين موقف لبنان الرسمي لناحية السعي لتهدئة الأوضاع في جنوب لبنان وإنهاء الهجوم الإسرائيلي والعمل في سبيل تنفيذ القرار الدولي 1701 الذي تحرص عليه الدولة اللبنانية والتي تطالب من جهتها بالتزام تل أبيب بكل مندرجاته. وفُهم أيضاً أن ميقاتي سيضع هوكشتاين في أجواء التحضيرات الرسمية تحسّباً لأي تطورات والطلب من المجتمع الدوليّ الوقوف إلى جانب لبنان وتقليص الاستهداف الإسرائيلي لأراضيه ومنع ضرب منشآته.
بريطانيا ووقف القتال
وفي سياق الاتصالات الدولية مع لبنان، تلقّى ميقاتي أمس إتصالاً من وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي الذي قال خلال الاتصال: “إنها لحظة حاسمة بالنسبة للاستقرار في الشرق الأوسط، ولا يمكن أن يكون هناك المزيد من التأخير، بل يجب أن يتوقف القتال الآن”. وشدد “على ضرورة قيام كل الأطراف بتهدئة الوضع بشكل عاجل وفوري”. وشكر رئيس الحكومة الوزير البريطاني “على اهتمام الحكومة البريطانية الدائم بلبنان وحرصها على حفظ الاستقرار فيه”.
وواصل ميقاتي عقد سلسلة اجتماعات في السرايا، في اطار متابعة خطة الطوارئ التي أعدتها الحكومة وشدد “على أن الهم الأوحد الذي يجمع اللبنانيين في هذه المرحلة، هو مواجهة التهديدات الإسرائيلية المستجدة والعدوان المستمر على لبنان منذ أشهر”. وأكد “وجوب قيام المجتمع الدولي والهيئات والمنظمات الدولية بواجبهم تجاه لبنان ودعمه في هذه الظروف الصعبة، خصوصاً وأنه يرزح تحت أعباء كبيرة جداً بفعل النزوح السوري”.
وقال “إن العدوان والتهديدات الإسرائيلية يجب أن يشكلا حافزاً إضافياً وأساسياً للتضامن بين اللبنانيين وعدم فتح سجالات جانبية ليس أوانها حاليا”، وأكد أن مجلس الوزراء سيناقش اليوم بشكل مفصل التدابير والاجراءات المتعلقة بخطة الطوارئ الوطنية، وملف النازحين السوريين.
أما في المواقف المعارضة، فبرز بيان المكتب السياسي الكتائبي بعد اجتماعه برئاسة رئيس الحزب النائب سامي الجميّل إذ اعتبر “أن هرولة الحكومة لتغطية التكاليف الباهظة لنزوح الجنوبيين بعشرات الآلاف من مناطقهم وإعلانها صراحة أنها لا تلقى التجاوب الدولي المطلوب مع الأرقام الكبيرة للخسائر المحتملة، يقود إلى سؤال بديهي: ألم يكن من الأجدى أن تجتمع هذه الحكومة لتسلم زمام الأمور وتجنيب لبنان حرباً عبثية بدل التباكي والاستجداء شرقاً وغربا؟”.
وأضاف “أن المسؤولية الأولى لما يحصل اليوم تقع على “حزب الله” أولاً وعلى المجموعة الحكومية التي رضيت وانصاعت إلى ضغوطه وتنازلت عن قرارها وعن سيادة الدولة ورضيت بأن تكون واجهة لميليشيا مسلحة تتباهى بوضع الخطط وتنفيذها على الإيقاع الذي يناسبها ويناسب إيران جارةً معها لبنان واللبنانيين إلى المجهول”. وإذ أكد “أن النازحين من كل لبنان هم أبناء الوطن ومرحب بهم في كل المناطق وهذا أمر لا يحتاج الى مزايدات أو منَة”، أضاف “إلا أن الكتائب يرفض تحويل كل المناطق اللبنانية إلى دروع بشرية وبؤر مواجهات ومنصات صواريخ خدمة لحرب يرفضها معظم اللبنانيين، وهذا الأمر يحتّم معالجات جادة وحثيثة درءاً لأي مواجهات على غرار ما يحصل في بعض المناطق”.
في الجنوب
في الوضع الميداني، استهدفت مسيّرة إسرائيلية بعد ظهر أمس سيارة على طريق بيت ياحون- برعشيت ما أسفر عن مقتل عنصرين في “حزب الله” نعاهما الحزب لاحقاً وهما إبراهيم جميل العشي من بنت جبيل وفادي محمد شهاب من برعشيت.
وأعلن “حزب الله” أنه إستهدف التجهيزات التجسسية في موقع مسكاف والجنود الإسرائيليين في محيط ثكنة ميتات وانتشاراً للجنود في محيط موقع السماقة في تلال كفرشوبا.
في المقابل، أشارت الإذاعة الإسرائيلية إلى أن الدفاعات الجوية إعترضت مسيّرتين في منطقة كريات شمونة في الجليل الأعلى. واستهدف قصف مدفعي إسرائيلي أطراف مركبا وعيتا الشعب وكفركلا. كما تعرضت اطراف بلدتي طيرحرفا وزبقين في القطاع الغربي لقصف مدفعي بالقذائف الانشطارية. وخرق الطيران الإسرائيلي جدار الصوت في صور وصيدا والزهراني ومنطقتي النبطية واقليم التفاح.
وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية أن الجيش الإسرائيلي ينشر ملاجئ متنقلة كما ينشر قوات خاصة في الجليل تحسباً لتسلل محتمل لعناصر “حزب الله” من لبنان.