بقلم نوال نصر
إختلف جورج قرم كثيراً في آخر كم شهر. تغيّر. خسر وزناً وربح سكوناً. إبتعد عن «القيل والقال» وانهمك في شؤونه الطارئة. ووحدها مسحة الطيبة البادية على سحنته تستمر هي هي. هو الأكاديمي، المفكر، عازف البيانو، ووزير المال السابق الذي ناقض استنتاج فؤاد السنيورة الذي قال: وهل هناك وزير مالية في العالم محبوب بين الناس؟ جورج قرم، المحبوب بين الناس، يعيش اليوم في صومعته الخاصة مع أربعة أشياء: مرض عضال، مكتبة عملاقة، بيانو، وبعض ذكريات. قصدناه في منزله في الجناح في حوارٍ حصيلته الواقعية: تسع سجائر سيدرز وخامة رجل ما عرف يوماً فنّ الممالقة.
تكاد لا تنزل السيكارة من يده. يشعل واحدة من واحدة. وبين طيات غيوم ما ينفثه يكرج الحديث. نحاول أن نسترجع معه المراحل، منذ البدايات، فيستجيب مع تأكيده أن الحديث لنا حصراً فهو مبتعد في هذه الفترة عن الكلام.
ننظر إليه ونحار من أين نبدأ ووحدها الصور المنتشرة على الجدران تحسم الخيار: ماذا قاد إبن الرسام جورج وحفيد الرسام داود الى إعتناق مفاهيم المال والإقتصاد مسلكاً؟ يضحك لسؤالنا ويجيب كمن يتحسر: «كم تمنيت أن يكون العزف مهنة حياتي لكن ليس كل ما يتمنى المرء يدركه». ينظر الى جهة اليمين. ثمة آلة بيانو تتصدر الدار. تتكدس حولها أسطوانات باخ وبيتهوفن. نقلب بين النوتات وندعوه الى الجلوس والعزف قليلاً. نصغي الى معزوفته. نشعر بمقدار الحبّ الذي يغدقه في أدائه. هو درس العزف على البيانو مدة عام كامل في فرنسا ويقول بابتسامة يأبى التخلي عنها: «أرسلني والدي الى سويسرا لأدرس هندسة فذهبت الى باريس ودرست سنة بيانو في الكونسرفاتوار الفرنسي. إعترض والدي على ما فعلت مردداً: «الفن يا إبني لا يُطعم خبزاً» فتراجعت لكن العزف إستمرّ هوايتي وعشقي وراحتي».
سياسة واقتصاد
درس جورج قرم في معهد العلوم السياسية – الفرع الإقتصادي- في باريس ونال إختصاصاً في «المالية العامة والقطاع العام» في العام 1961. كما نال إجازة في القانون المدني والتجاري وتفوّق في أطروحة إستحق عليها دكتوراه دولة في القانون الدستوري وموضوعها: تعدد الأديان وأنظمة الحكم.
اللبناني أباً عن جد جورج قرم ولد في الإسكندريه عام 1940 ثم انتقل الى القاهرة. هو أتى آخر العنقود بعد صبيين وفتاة (سيرج- جوزف- وناديا) ويقول: صورة شقيقتي ناديا موجودة في متحف سرسق مرسومة بريشة والدي». ماذا يتذكر صغير البيت عن مراهقته؟ «كانت الإسكندرية جنّة… واوووو… لكن كنت أعاني في معظم الأوقات من مرض الربو. فاز علي. مناخ الإسكندريه لم يلائمني فاضطر أهلي الى الإنتقال بنا الى القاهرة. وأتذكر أن شقيقيّ جوزف وسيرج لم تعجبهما مسألة ترك الإسكندريه كثيراً (يضحك) لكنهما أجبرا على ذلك فأنا كنت مدللاً من والدتي». ينظر الى صدر الدار. ثمة صورة كبيرة معلقة تضم رسم سيدة أنيقة جميلة بيدها كتاب ويقول: «هذه أمي… رحمها الله». يتأملها وكأنه يراها لأول مرة فتلمع عيناه. كم هو صادق هذا الرجل.
لا يعرف اللهجة المصرية «ولم يكن وارداً ذلك لا أنا ولا حتى والدي الذي كان الى جانب مهنة الرسم يملك متجر ABC هناك». مكث قرم في القاهرة حتى العام 1957 وكان يزور لبنان سنويا ويقصد قرية جذوره غوسطا في كسروان.
في وزارة التصميم
إنتقل جورج قرم الى مجال العمل. والبداية في لبنان، في لبنانه، الدخول الى الدولة: «قلت لوالدي أريد أن أخدم الدولة اللبنانية فأجابني: لم أعلّمك لتدخل الى دولة «أوبريت» (قصد بها الأغنية الخفيفة عكس الأوبرا). أجبته: اريد بناء وتنمية البلد إجتماعياً وإقتصادياً. كانت أحلامي كثيرة كبيرة».
أوّل ما دخل إليه في دولة لبنان الموقرة كانت وزارة التصميم العام في بلد يعيش بالصدفة بلا خطط واقعية ولا بعد نظر. وهي المرة الثانية التي يقوم بها جورج قرم الإبن بما لم يرتضه جورج قرم الأب «عملت في بعثة إيرفد (يوم دعا الرئيس فؤاد شهاب العالم الإقتصادي والإنمائي الأب لويس جوزف لوبريه، منشئ مؤسسة إيرفد للقيام بعملية مسح للوضعين الإقتصادي والإجتماعي في لبنان أدت الى وضع برنامج إنمائي هو الأول من نوعه في لبنان لكنه لم ينفذ). ويقول قرم «أعترف أننا كنا نشعر في البداية بدونية في البعثة بسبب سيطرة الخبراء الفرنسيين لكنني أعجبت بلوبريه المتحدر من عائلة متواضعة ووالده صياد سمك» ويستطرد: «لوبريه هو من نبه العام 1960 الى أن لبنان على مفترق طريق، مهدد بالإنفجار إذا لم تلغ الفروقات الشاسعة واللامساواة بين اللبنانيين».
ينفي قرم ان يكون قد مال في يوم ما الى الشيوعية «أنا عروبي أعجبت بجمال عبد الناصر وفؤاد شهاب والبورجوازية، من كل الطوائف، لم تحبنا».
ينسى جورج قرم بعض التواريخ والأسماء. العلاج الكيميائي الذي يخضع له منذ أشهر أزعجه لكن الرجل يظل يحاول ويحاول أن يلتقط التفاصيل: «لاحقاً، عملت طوال أربعة اعوام في وزارة التصميم العام. ايام كميل شمعون كان هناك مجلس للتخطيط يضم كبار الإقتصاديين. وكانت فترة من أفضل فترات تاريخ لبنان. ثم عملت في وزارة المالية».
الآن لا تخطيط ولا من يحزنون. إنتقل جورج قرم لاحقاً الى الجزائر وشغل موقع مستشار وزير المالية هناك عبد المالك تمام في حكومة الرئيس بومدين، ثم عمل مستشاراً مع منظمات دولية والإتحاد الاوروبي و… وبالصدفة، من دون أن يطمح، اصبح في العام 1998 وزيراً مستحقاً للمال في حكومة سليم الحص. هي مرحلة يتذكرها كثيرون. فماذا يلح في باله هو منها؟ يجيب «هي كانت أشبه بدهليز. جنون. كانت البيانات ملقاة على سطح مبنى وزارة المالية. واكتشفتُ منذ البداية أن الحاكم (حاكم مصرف لبنان رياض سلامه) ليس مؤهلاً لهذا المنصب. هذا ما رأيته جلياّ منذ أكثر من عشرين عاماً».
حكى معالي وزير المال السابق كثيراً. نبت الشعر على لسانه وهو يتكلم عن الفوائد العالية والمديونية والإقتصاد الريعي. كان يعرف أنه لا يملك إلا اللسان والقلم. لم يسمعه من بيدهم القرار فكيف أصبح وزيراً للمال؟ يقول «كنت على علاقة جيدة مع الرئيسين سليم الحص وإميل لحود». هل رآهما أخيراً؟ يجيب «وضع الحص الصحي لا يسمح ولحود كنت ازوره وهو زارني يوم أقمت معرض لوحات لوالدي في الجامعة الأميركية في بيروت». ويستطرد «حين إستلمت وزارة المال كنت أعرفها جيداً كوني عملت فيها سابقا. والحاكم لم يكن قد أفرط بعد بخزعبلاته لكننا كنا نتشاجر كثيراً. كان يعطي الفوائد العالية وأنا أقول له: من اين لك هذا؟ نحن كنا نمنح أعلى فوائد في العالم. إشتبكتُ معه مراراً. لم يكن يتصور أحد أنه تلاعب بأموال المودعين، لكنني شككتُ بذلك منذ أول لقاء معه نتيجة تصرفاته».
في عشرين شهراً
بقيتم سنتين في وزارة المال فماذا حققتم؟ يجيب بقينا أقل. نحو عشرين شهراً. دفعنا كل متأخرات الدولة للقطاع الخاص، وعملنا الضريبة على القيمة المضافة. كل الناس صرخوا ضدها لكنني مشيت بها. كانوا يقولون أن ليس للبنان القدرة على تنظيم الضريبة على القيمة المضافة لكنني قلت لهم: ما دامت تونس والمغرب إستطاعتا ذلك فلماذا سيكون لبنان عاجزاً؟ هناك من سخر من ذلك وضحك: هاها ها ها… لكنني أنجزت الضريبة على القيمة المضافة التي هي الآن أهم مورد للخزينة اللبنانية».
يطلب القداحة من مساعدته. يشعل سيكارة جديدة. ينفث دخانها عالياً ويتابع: «إستلمت الوزارة من فؤاد السنيورة وسلمتها الى فؤاد السنيورة. كنت أتفاوض مع الإتحاد الأوروبي من أجل منح لبنان قدرة مالية للمضي بنظام الضريبة على القيمة المضافة في حين كان السنيورة «ينزل بي» (كلاماً) صبحاً ومساءً. كنت أرى لبنان في أي منحى يسير وهو كان يقوم بحركات سخيفة. ثم ما أن غادرت وقّع إتفاقية مع الإتحاد الاوروبي فاحتجيت».
لم يكن الوزير قرم يوماً على وفاقٍ مع الرئيس رفيق الحريري قابله مرات «ولم يكن هناك مجال للتلاقي. ويوم اغتيل قدمت التعازي». كم حوربت بعد توليك حقيبة المالية؟ يأخذ نفساً عميقاً ينفث دخان سيكارته ويقول: «يمكنني أن أكتب روايات وروايات عن ذلك. هناك من كانوا يصرّون على أن يتصرفوا في المال العام كأنه مال خاص».
شغل بعد جورج قرم وزراء مال مسيحيون ومسلمون لكن بعد العام 2014 باتت الوزارة حكراً على الطائفة الشيعية. فهل هناك من نصّ ما يوصي بذلك؟ يجيب: «أبداً. لا نصّ قانونياً بذلك. هناك كلام أن الطائفة الشيعية مظلومة وعلى هذا الأساس أخذوا المالية. هي ظنون بنوا عليها».
أسرار ودهاليز
كم هناك من الأسرار في وزارة المالية؟ نُكرر السؤال فيجيب وزير المال السابق وهو يفكر «نجح آلان بيفاني (المدير السابق لوزارة المال اللبنانية) في تسيير كثير من المسائل بطريقة صحيحة سليمة». نسأله: هو كشف فساداً سياسياً ومصرفياً لكنه كان شريكاً في وقت من الأوقات وتصرف في الآخر كمن يخلّص نفسه؟ يجيب: «آلان تعب وكان يريد الخروج من الدهليز وكنت قد قلت له قبلها: آلان غادر أترك، فلّ إبتعد».
هناك من يُصوّر وزارة المال كمغارة علي بابا فيها خبايا وتفاصيل. نريد معلومات واقعية من ذاكرة وزيرها السابق عنها؟ «حين كنت شاباً كانت مهمتي في المالية من أوائل مهماتي المهنية. اليوم جماعة أمل يتصرفون بالوزارة وكأنها وزارتهم». يتمهل معاليه. يسكت. وكأنه إما قرر أن يتناسى التفاصيل أو أن ذاكرته خانته. العلاج الكيميائي غيّر الوزير النظيف وكأنه أصبح مدركاً أكثر من قبل أن السلطة قوّة مؤقتة وكل شيء الى زوال.
ماذا عن جهاد أزعور الذي أتى هو به الى الوزارة؟ يجيب «صحيح. وأنا «قطعتها» معه حين رأيت ما فعل. أخذ نظام الداتا في المالية واستخدمه في دول أجنبية وفي العراق. باع المعلومات الى الخارج». لكن، هناك من إستخدم هذه المعلومة عند ترشيحه وكأنه لمعاقبته؟ يجيب: «هذا ما حكي وهو لم ينفِ».
من هو وزير المال الذي يراه الاكثر نظافة ممن أتوا في العقود الثلاثة الماضية؟ يحاول أن يتذكر الاسماء ويقول: سليم الحص بلا منازع. في عهده «شمينا» (تنشقنا) هواء نظيفاً. أتى الياس سابا ودميانوس قطار وريا الحسن وجهاد أزعور و… وبعدها تتالى الوزراء الشيعة» يتمهل قليلاً ويقول: «هناك وزير أتى قبل هذا الأخير (يوسف خليل) لا بأس به». يحاول أن يتذكر الإسم ويجده «غازي وزني كان جيداً». لكنه محسوب على حركة أمل؟ يجيب «هذا صحيح».
الحاكم
كيف يرى المشهد الحالي بعدما سقط الهيكل بمن فيه؟ يقول: «هو مشهد يدمي القلب. كان حاكم مصرف لبنان يسيطر على كل شيء. كانت تصرفاته فظيعة». لكن، هل هي مسؤوليته وحده؟ أليس كل من تولوا السلطة مشاركين معه؟ يجيب: «كانت معطاة له صلاحيات إستثنائية في القانون وكان عليه أن يتصرف جيداً. كان رياض سلامه رئيس المافيا. كان الحاكم مشاغباً كثيراً».
هل من أفق لما بلغناه من درك مظلم؟ «لن تخرجي من النفق مع الأفرقاء ذاتهم في السلطة. ومع البنك الدولي اليوم هناك مشكلة حوار ليس لمصلحة الدولة اللبنانية».
من كان الأكثر قرباً الى جورج قرم من السياسيين اللبنانيين؟ يجيب وهو يضحك: «لا أحد…». نساله من هم أصدقاؤه بشكل مطلق؟ «جهاد أزعور كان صديقاً في الزمانات…». ما نوع الصداقة التي جمعتهما؟ أنا عينته في وزارة المالية مدير مشروع الأمم المتحدة الإنمائي في الوزارة ومستشاراً أوّل لي. (هو نفس المركز الذي عين رفيق الحريري باسل فليحان لاحقاً فيه). هذا معناه أنك آمنت بقدراته؟ «صحيح هذا ما حصل حين عينته لكنني لم أعرف ما سيفعل لاحقاً. شعرت أن «الزلمي» ذكي جداً لكنه باع داتا الوزارة لاحقا».
يعود ليفكر جورج قرم في أسماء أصدقائه اليوم ويقول: «عندي صديق صدوق من الطائفة الدرزية هو حسن حماده. كامل مهنا (رئيس مؤسسة عامل) صديقي أيضا».
كيف يقضي جورج قرم وقته اليوم بعد مسيرته الطويلة في عالم المال والمصارف المحلية والدولية؟ يجيب بسؤال: «قبل المرض أو بعده؟». نحدد السؤال بشكل أدق: اليوم؟ يجيب: «أستيقظ نحو الساعة السابعة او السابعة والنصف. أمشي قليلاً في البيت (بيته مكتبه). وأقوم بشيء من كل شيء. أراجع بريدي الإلكتروني. أقرأ. أسمع الموسيقى الكلاسيكية. أعزف. أحب أن اعزف مقطوعات من باخ». ماذا يقرأ؟ ماذا بين يديه اليوم من كتب؟ يقول «أقرأ كتباً إقتصادية وروايات ومذكرات. وآخر ما قرأت رواية كتبها كمال ديب: «أنغيلا شرق بيروت غرب برلين» (هي رواية تحكي حكاية كثير من اللبنانيين الذين عاشوا بين فترتين ومرحلتين ما قبل الحرب وفي أثنائها، وكيف تغيرت حياتهم وتصرفاتهم). إسم الرواية على إسم صديقة قديمة لقرم تدعى أنجيلا. يتذكر ذلك.
تمرّ زوجته في الغرفة الجانبية ويقول «هي موجودة والحمدلله واسمها هالة. إنها حلبية» أما أولادي فهم ثلاثة، إبنتان وصبي: ثريا وعلياء ومنير. ثريا في دبي ولديها ثلاث بنات. علياء في قبرص ولديها صبيان وبنت. ومنير في باريس ولديه إبنتان. لا جورج قرم جونيور (يضحك). جميع أولاده في الغربة «وهذا صعب جدا». وكيف هي علاقته مع أحفاده؟ يجيب بابتسامة: «ولا أحلى…».
الغربة قاسية على الجميع. نسأله: هل خسر مالاً في المصارف اللبنانية كما أغلبية اللبنانيين وهو الذي طالما حذر من إستثمار المال في الإقتصاد الريعي؟ يجيب: «مالي محجوز في المصارف مثلي مثل الجميع» ويستطرد: «كنت أعرف أن سياسة الحاكم ستؤدي الى كارثة».
يتذكر بين حين وآخر معلومة فيسردها: «حين إستلمت وزارة المالية طلبت من الحاكم أن أرى حسابات المركزي فرفض. أرسلت الطلب الى وزارة العدل لكن الوزير منعني أيضا (كان عصام نعمان). راجعت هيئة الإستشارات والتشريع في وزارة العدل فقضت بذلك». ماذا رأى القرم؟ رأيت فارقاً واكتشفت تصرفات الحاكم الفظيعة. لا أدري حتى الآن لماذا أتوا بحاكم لا خبرة له في الإدارة. هو كان trader بارعاً في قضايا البورصة والأسهم. إحتجيت على تعيينه يوم كنت خبيراً إقتصادياً ومالياً، ولاحقاً حين أصبحت وزيراً للمال، ودائما».
هو يقول ويردد: «كانوا «ضاربين عينن» منذ البداية على الودائع.
ألم يفكر لاحقاً جورج قرم بمقعد نيابي؟ ألم تطرح عليه وزارة؟ يجيب: جميعهم يعلمون أن شخصيتي لا تسمح بتقديم تنازلات. والسياسة اللبنانية مبنية فقط على المصالح الخاصة».
نطلب منه أن يكتب من تجارب العمر فيدوّن: العمل من أجل لبنان، كل لبنان، يتطلب المزيد من الجهود وبشكلٍ خاص جهود لتقوية لحمة الشعب اللبناني لكي يتم الإستقرار والإزدهار».
العروبة استهوته دائماً وهو المعجب بجمال عبد الناصر ويقول: «هو أثّر بتكويني. كان معلماً. التجربة المصرية غنية. الثورة الجزائرية تأثرت أيضا بها». كتب قرم عن الاديان والطوائف وله 25 كتاباً. يقلب في صفحاتها ويقول عن لبنان الجديد الذي يتمناه: «هو لبنان ليس بيد زعماء الطوائف الذين يقفل كل واحد منهم على طائفته». ويتذكر عمه شارل قرم الذي حكى كثيراً عن الفينيقية ويتذكر بيت شعر خاطب به المسلمين: «يا أخي المسلم لا تنسى أننا جميعا فينيقيون». كانت دعوة للإنصهار. يتحدث عن التجربة الشهابية بفخر.
كم تمنى جورج قرم «أن تكون حياته مكرسة للموسيقى» بعيداً عن وحول لبنان. لكن قدره أن يدخل السياسة اللبنانية من بابها الإقتصادي الكبير ويقول «أثق بأن القلم مهم. وتربيتي التقليدية عززت لدي أن الفكر مهم ولا بدّ من التقدم فكرياً ليكون هناك تقدم ميداني. أما العالم الذي نعيش فيه فهو عالم كثرة الكلام والثرثرة المستمرة التي تهاجم دماغ المواطن وتجعله عاجزاً عن التفكير. لهذا لم يعد هناك اليوم رأي عام.
نترك جورج قرم يرتاح. فهو من طينة مختلفة، لا يشبه طينة سياسيي واقتصاديي و»ماليي» هذا الزمان.