بقلم زهير هواري
في يوم عيد السيدة ، أي في يوم 15 تموز الجاري، و بعد أن غادر المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين لبنان بعد سلسلة لقاءاته مع كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبد الله أبو حبيب وقائد الجيش العماد جوزف عون، وقبل أن يغادر وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه ويلتقي من التقاهم سابقه، وبينما كان يستعد لاستقبال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ، أطلق الرئيس نجيب ميقاتي ثلاثية لم يسبقه إليها أحد من الذين تتابعوا على موقع رئاسة الحكومة أو غيرها من الرئاسات، أي رئيس الجمهورية أو رئيس المجلس النيابي. أما الاقانيم الثلاثة التي أطلقها فهي تتلخص بثلاثة كلمات تبدأ كل منها بحرف الصاد. والكلمات الثلاثة هي: الصمت ، الصبر والصلاة. التي كما قال لا نملك سواها باعتبارها رأس الحكمة ومنتهاها.
يمكن العودة إلى نشاطات الرئيس ميقاتي خلال الاسابيع الماضية لفحص مدى حضور هذه الاقانيم الثلاثة في أدبياته. أهمية هذا الفحص أنه يتبين تبعاً لنتائجه اذا ما كانت الثلاثية ابنة ساعتها، أم أنها اختمرت تباعاً في ذهنه كونها تستمر عطفاً على ما سبقها من مواقف. لكن ميقاتي خلال الأيام المذكورة لم يكن من الصامتين، ولم ترد أي من العبارات الثلاثة على لسانه أو جاءت تعبيراً عن مواقفه. والمعروف أن ميقاتي وغيره من المسؤولين ومنهم وزير خارجيتنا عبد الله بو حبيب ومنذ أن أعلن السيد حسن نصر الله حرب المشاغلة أو المساندة لقطاع غزة من جنوب لبنان، دون ” شور أو دستور” لأي من الهيئات الدستورية ، أو لأحد من المسؤولين، لم ينقطعا عن الكلام الذي يصب الماء في طاحونة الحرب التي تدور في الجنوب.
وخلال الأشهر العشرة المنصرمة حاول كثيرون من ممثلي الأطراف المحلية، أو المسؤولين الغربيين والشرقيين انتزاع موقف ما يضع خطاً فاصلاً ولو رقيقاً بين موقف حزب الله وموقف الحكومة اللبنانية دون جدوى. وخلال أكثر من ثلاثماية يوم من القتال والتقاصف بالمسيرات والطائرات الحربية والصواريخ والمدافع تراكمت أعداد الضحايا البشرية من مقاتلي الحزب والمدنيين، وتهجرت القرى التي وصل تعدادها إلى حوالي خمس وخمسين قرية وبلدة ومدينة، وتضاعفت الاضرار المادية حتى وصلت إلى عدة مليارات من الدولارات، في بلد يشكو أصلاً من الإفلاس والعجز عن اطعام جنوده وقواه الأمنية ، ويستعين لإبقائهم في صفوفه بمن يتبرع بمائة دولار شهرياً ، وتزويد محطات الكهرباء بالفيول أويل لتشغيلها وتأمين الطاقة للناس وتحريك مصالحهم.
ولعل التعبير الافصح عن العجز هو ما صرح به الوزير رئيس هيئة الطوارئ الحكومية ناصر ياسين عندما أشار إلى دق أبواب الدول المانحة لتأمين مبلغ مائة مليون دولار لصندوق الطوارئ في حال اندلعت الحرب على نطاق أوسع وتهجر مليون شخص كما حدث في العام 2006 ، دون ان يستجيب أحد من الدول المانحة.
وكان الوزراء والمسؤولون الأجانب من الرسميين والاممين الذين يروحون ويجيئون يعودون ومعهم خفي “نجيب” النجيب، أي أن صاحبنا التزم قولاً وممارسة بما أوحى له به الحزب. ولم يُعرَف عنه أنه حاد عما هو مكتوب له قيد شعرة أو أنملة. لذلك وصل إلى ما وصل إليه من ثلاثية تبدأ من الصمت وتعبر على الصبر وتصل إلى الصلاة في نهاية المطاف. بالنظر إلى أن الأخيرة هي الطريق نحو سؤال إلهنا السماوي رب العالمين أن ينقذنا مما نتخبط به من مهالك وويلات.
وعلى أمل أن تقترن الصلاة بالدعوات المستجابة، قرر نجيب أن يعالج الوضع بما تفتقت عنه عبقريته من حلول يمكن العثور على مثيلاتها لدى “البصارات” اللواتي يقرأن الكف أو يرمين الوَدَع، أو بعض المشايخ الذين يستطيعون طرد الجن من الجسم اللبناني العليل وتنجيته مما علق به من آثام وشرور دخلت إلى تلابيب عقله فأضعفت روحه وأوهنت قواه الجسمانية.
في أحد الأيام بعيد وصوله إلى موقع رأس السلطة التنفيذية، أطلق ميقاتي دعوته للمواطنين من أجل تحمل أعباء المرحلة التي يجتازها لبنان، وكانت حينها الأمور لم تصل إلى الانهيار الشامل الذي نعاني منه اليوم على صعيد مرافق الدولة ومؤسساتها وقبل تفجير المرفأ، لأنها كانت ما تزال عند حدود فرض ضرائب إضافية، ورفع أسعار الخدمات العامة ومصير الودائع المعلقة على حبل الرجاء المستحيل. حينها لم يرمِ الميقاتي المتمولين من هم أمثاله وأقل أو أكثر بزر ورد. فقط طلب من الفقراء التحمل وهم الذين شدوا الأحزمة على بطونهم الخاوية. الآن يضع ميقاتي المعادلة على عاتقه شخصياً من خلال الفضائل الثلاثة التي تبدأ كلها بحرف الصاد متجاهلاً قول الشاعر : من يهن يسهل الهوان عليه / ما لجرح بميِّت ايلام