بقلم نانسي اللقيس
تشكل أزمة الكهرباء في لبنان جرحاً نازفاً يشوه وجه الوطن، وتكشف عن عمق الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد. الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي، تدهور الخدمات، وارتفاع أسعار المولدات الخاصة، ما هي إلا نتيجة حتمية لسنوات من الإهمال والفساد والمحسوبات الحزبية التي أوصلت قطاع الكهرباء إلى حافة الانهيار.
هذه الأزمة ليست وليدة اللحظة، بل هي نتاج تراكم للخيارات السياسية الخاطئة والفساد المستشري في مؤسسات الدولة. التيار الوطني الحر، الذي تولى إدارة وزارة الطاقة لسنوات، يتحمل جزءاً من المسؤولية عن الوضع الراهن. بدلاً من استثمار الأموال في تطوير البنية التحتية، جرى تحويلها إلى جيوب الفاسدين وتسييس القرارات لصالح مصالح الأحزاب الحاكمة.
أصبحت الكهرباء سلعة نادرة تُباع في السوق السوداء، في حين يعاني المواطن اللبناني من انقطاع التيار لساعات طويلة، مما يؤثر سلباً على حياته اليومية وعمله. هذا التدهور هو مؤشر واضح على فشل النظام السياسي اللبناني في تأمين الخدمات الأساسية، وأن الأولويات لدى صناع القرار، بما فيهم التيار الوطني الحر، لم تكن مصلحة الوطن والمواطن بل الحفاظ على مصالحهم الخاصة.
اليوم، تقدم الجزائر هبة للبنان من الغاز أويل، لكن هل يمكن للهبات الخارجية أن تحل مشكلة نظام مزمن؟ بينما ننتظر المساعدات، نرى أن الحل الحقيقي يكمن في إصلاح شامل للنظام السياسي، مكافحة الفساد، وتعزيز الشفافية والمحاسبة. يتطلب الأمر وضع خطة وطنية لتطوير قطاع الكهرباء، الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، وتشجيع المشاركة المجتمعية في إدارة هذا القطاع الحيوي.
إن أزمة الكهرباء هي فرصة لتغيير الواقع، ولتحقيق حلم اللبنانيين بحياة كريمة ومستقبل أفضل. ولكن هذا التغيير لن يتحقق إلا بإرادة شعبية قوية، وضغط على القوى السياسية، بما في ذلك التيار الوطني الحر، لإجراء الإصلاحات اللازمة. فهل سنظل أسرى الظلام، أم سنعمل معاً لبناء لبنان جديد يعتمد على الشفافية والعدالة والمساواة؟
ختاماً، أزمة الكهرباء في لبنان هي أكثر من مجرد أزمة تقنية؛ إنها انعكاس لأزمة سياسية عميقة، وهي دعوة صريحة لإجراء إصلاحات جذرية في النظام السياسي اللبناني، مع التركيز على معالجة دور التيار الوطني الحر وتداعيات الاعتماد على الهبات الخارجية.