بقلم كارلوس نفّاع
في إطار جهود المناصرة التي يبذلها المركز اللبناني للدراسات في سبيل تحقيق تعافٍ مستدام من انفجار مرفأ بيروت، يكون محوره ووجهته الإنسان وكرامة عيشه. وتماشيًا مع مساعيه الرامية إلى تعزيز العدالة الاجتماعية المُنصِفة والشاملة للجميع، وبناء الثقة بين الأفراد والكيانات الجمعية والحكومة اللبنانية، أقام المركز شراكة مع منظّمة الشفافية الدولية وفرعها الوطني، أي منظمة الشفافية الدولية لبنان- لا فساد، لإصدار “مرصد الإصلاح”. ترتبط المواضيع التي يغطيها المرصد بمجالات الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار، ويندرج نشره في إطار مشروع بناء النزاهة والمساءلة الوطنية في لبنان (“بناء”) المموّل من الاتحاد الأوروبي. الآراء الواردة فيه لا تعكس بالضرورة وجهة نظر الجهة المانحة.
القضية المطروحة
بحسب التقديرات، يمثّل اللاجئون السوريون في لبنان ما بين 25 و30% من إجمالي عدد السكّان البالغ 7 ملايين (BBC) ، أي ما يناهز مليوني شخص تقريبًا من مختلف الأعمار (UNHCR). يعيش معظمهم في شقق سكنية تتوزع على كل البلدات والمدن اللبنانية، بالإضافة إلى بعض المخيمات العشوائية في البقاع وعكار التي تأوي ما يقارب 300 ألف في أكثر من ستة آلاف خيمة (Medair).
منذ عام 2011، شهد لبنان ارتفاعًا مفاجئًا في عدد اللاجئين، مسلطًا الضوء على الحاجة الملحة إلى استراتيجية حكومية وطنية لمعالجة هذه الأزمة. وعلى الرغم من الفرصة التي أتاحها مؤتمر بروكسل الثامن حول “دعم مستقبل سوريا والمنطقة” الذي عقد في مايو/أيار الماضي، لم يقدم مُمثل لبنان سوى مطالب سياسية واقتصادية محدودة بدلاً من خطة استراتيجية وطنية شاملة لإدارة أو حل أزمة اللاجئين (Elnashra). وقد أدى هذا الافتقار إلى الاستراتيجية إلى فرض ضغوطات كبيرة على البلديات، خاصة الحدودية منها ذات الموارد البشرية والمادية المحدودة اصلًا (UNHCR).
أضف الى ذلك الضغوطات الذي يشهدها لبنان منذ العام 2019 نتيجة الانهيار الاقتصادي والنقدي وتدهور الخدمات الحكومية، ناهيك عن انفجار مرفأ بيروت وتفشّي جائحة كوفيد-19. هذا بالإضافة إلى أنّ حكومة انتقالية تدير البلد في غياب الرئيس منذ ما يقارب العامين، مع تأجيل الانتخابات البلدية للمرة الثالثة.
هذه العوامل فرضت تحديات إضافية على البلديات، ما دفع كل بلدية إلى تطبيق القوانين والأنظمة بشكل انتقائي بما يضمن مصالحها فيما يتعلق بالمقيمين الأجانب، وذلك للتعامل بشكل سليم مع وضع اللاجئين السوريين وضمان سلامتهم واندماجهم داخل البلدية. وفي بعض الأحيان تخطت البلديات سلطة القانون ليصدروا قرارات شعبوية لا تحترم حقوق الانسان ومنها حق التنقل على سبيل المثال لا الحصر الذي منع في الكثير من المناطق تنقل اللاجئين السوريين بعد ساعة محددة في المساء.(UN).
الإطار القانوني العام
إن الإطار القانوني العام في البلديات في لبنان الذي يرعى شؤون المقيمين الأجانب تنظمه مجموعة من القوانين التي تحدد حقوق المقيمين الأجانب وواجباتهم، والصلاحيات الممنوحة للبلديات في هذا الصدد.
وأهم النقاط الرئيسة في هذا الإطار:
الأجانب في القانون العام للبلديات:
ينظم قانون البلديات (المرسوم الاشتراعي رقم 118/77) عمل البلديات وصلاحياتها، وهو يشمل تنظيم الخدمات العامة المحلية، بما في ذلك تلك الخاصة للمقيمين الأجانب (LU). وتلعب البلديات دورًا في تسجيل الأجانب على المستوى المحلي، وضمان تحديث سجلات السكان لديها دوريًا. وللأجانب المقيمين في نطاق بلدي محدد حق الوصول إلى خدمات البلديات العامة، مثل جمع النفايات، المياه، الكهرباء، الصرف الصحي، والتعليم العام (في حال كان لديهم إقامة قانونية). وتختلف نوعية هذه الخدمات المقدمة ومستواها وفقًا للبلدية وقدرتها على توفيرها (Nahnoo).
أيضًا، يخضع الأجانب العاملون في لبنان لقوانين العمل اللبنانية التي تفرض عليهم الحصول على تصاريح عمل من وزارة العمل، والتي بالتعاون مع البلديات، تراقب تطبيق القوانين لضمان عدم عمل الأجانب بشكل غير قانوني.
حقوق الأجانب وواجباتهم:
الوضع القانوني لللاجئين في لبنان معقد ويختلف عن المقيمين الأجانب العاديين. لا يوجد إطار قانوني موحد وشامل على مستوى البلد خاص باللاجئين، ولكن هناك نقاط عدّة قانونية وتنظيمية مهمة تتعلّق بهذا الأمر.
فعلى الرغم من عدم وجود قانون خاص باللاجئين، يخضع اللاجئون إلى القوانين العامة المتعلقة بالأجانب، والتي تشمل قانون الدخول إلى لبنان، وقانون الإقامة والخروج منه (المرسوم رقم 319/1962) (LU). ويُعتبر الأمن العام اللبناني الجهة المسؤولة عن تسجيل اللاجئين وتنظيم إقامتهم.
تعمل البلديات بالتعاون مع المنظمات الدولية والمحلية لتوفير حاجات اللاجئين ضمن النطاق البلدي. فيتمّ تنسيق الجهود مع UNHCR، والمنظمات غير الحكومية الدولية والمحلية لتأمين خدمات مثل التعليم، والصحة، والسكن، والمساعدات الغذائية وتطوير البنية التحتية المحلية.
أما لجهة المشاركة المجتمعية للاجئين، فلا يحق لهم المشاركة في الانتخابات البلدية أو الاختيارية أو الترشح لأي من وظائف البلدية، في حين يُمكنهم المشاركة في الأنشطة المجتمعية المحلية ضمن الحدود القانونية والعادات والأعراف الاجتماعية المتبعة. (Al Nahar)
الإجراءات البلدية
مع غياب استراتيجية وطنية لإدارة الأزمات التي يواجهها لبنان والناتجة عن الحرب السورية، انفردت البلديات كلٌّ على حدة أو ضمن اتحادات البلدية باتخاذ إجراءات خاصة، عديدة ومتنوعة تُعنى بالمقيمين من اللاجئين السوريين وتؤمن الحد الأدنى من احتياجاتهم ومصالح المنطقة المضيفة. فمنها على سبيل المثال ما يندرج تحت مفاعيل المذكرات الإدارية التوجيهية الصادرة عن وزارة الداخلية والبلديات (الداخلية)، ومنها ما هو ناتج عن ردات فعل المجلس البلدي ويعكس مصالح صانعي القرار المنتخبين في المجلس البلدي والذي قد يكون البعض منه شعبويًا وعنصريًا (hrw).
تشمل هذه الإجراءات:
تسجيل الإقامة: بحيث يُطلب من اللاجئين تسجيل مكان إقامتهم لدى البلدية المحلية. وهذا يساعد السلطات على تتبع السكان والتخطيط للخدمات الضرورية.
تسجيل الهوية الشخصية: غالبًا ما تقوم البلديات بتسجيل البيانات الشخصية للاجئين السوريين، بما في ذلك الأسماء وتواريخ الميلاد وأفراد الأسرة، وغيرها من المعلومات ذات الصلة. ويساهم هذا التسجيل بالحصول على الخدمات والمساعدات بحيث تقدمه البلديات للمسجلين.
تسجيل العمل: في بعض المناطق، يطلب من اللاجئين السوريين الذين يعملون التسجيل لدى البلدية ويشمل هذا المعلومات الشخصية ومكان السكن ونوع العمل وصاحب العمل.
التسجيل في الخدمات الصحية والاجتماعية: من أجل الحصول على الرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية، قد يحتاج اللاجئون إلى التسجيل لدى المراكز الصحية المحلية أو مكاتب الخدمات الاجتماعية التي تديرها أو تنسق شؤونها البلدية مع الجمعيات الإنسانية.
قد تشمل الوثائق المطلوبة من اللاجئين للتسجيل على مستوى البلدية ما يلي: وثائق تعريف شخصي مثل شهادة تسجيل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) وبطاقة الهوية الشخصية (جوازات السفر أو بطاقات الهوية الوطنية) ، إثبات الإقامة مثل نسخة من عقد الإيجار، المستندات المتعلقة بالعمل مثل اجازة عمل سارية المفعول ونسخة من عقد العمل أو افادة عمل، السجلات الصحية التي توضح أي حالات طبية أو علاجات أو لقاحات تمّ تلقيها.
أهمية التسجيل والتوثيق
التسجيل والتوثيق عمليتان أساسيتان لضمان حصول اللاجئين على الخدمات الأساسية والحقوق القانونية، وتعزيز سلامتهم وأمنهم. تتجلى أهمية هاتين العمليتين من خلال القرارات والممارسات الأخيرة، والتي تسلط الضوء على الفوائد العملية للتسجيل والتوثيق للاجئين:
الحصول على الخدمات الأساسية: بفضل التسجيل، يمكن للاجئين الحصول على الرعاية الصحية، والتعليم، والمساعدة الاجتماعية الضرورية. المبادرات الحديثة أثبتت أنّ التسجيل يسهل الاستفادة من الدعم الذي تقدمه المنظمات الحكومية وغير الحكومية، مما يُسهم في تحسين ظروف حياة اللاجئين في المجتمعات المضيفة. على سبيل المثال، كان لقرار وزارة الصحة الأخير بتخصيص موارد إضافية للمراكز الصحية في مناطق تواجد اللاجئين أثرًا كبيرًا في تحسين جودة الرعاية الصحية المقدمة.
تحديد الوضع القانوني: تساعد الوثائق في تحديد الوضع القانوني للاجئين، مما يوفر لهم الحماية من الاحتجاز التعسفي والترحيل. القرارات القضائية الحديثة التي أكدت على ضرورة احترام حقوق اللاجئين القانونية تعتبر خطوة أساسية لضمان استقرارهم وحمايتهم.
جمع البيانات وتخصيص الموارد: التسجيل يتيح للسلطات جمع بيانات دقيقة حول أعداد اللاجئين واحتياجاتهم، ما يساهم في تخطيط الموارد وتخصيصها بشكل فعال. المبادرات الحكومية الأخيرة لتحسين نظم إدارة البيانات وتنسيقها مع المنظمات الدولية، أظهرت أنّ جمع البيانات الدقيقة يسهم بشكل كبير في تلبية احتياجات اللاجئين والمجتمعات المضيفة بشكل أفضل.
السلامة والأمن: التسجيل الدقيق يعزز من الأمن والنظام، حيث يمكن للسلطات تقديم خدماتها بشكل أفضل ومعالجة أي مشاكل قد تنشأ. البرامج الأمنية التي تمّ إطلاقها مؤخرًا والتي تهدف إلى تحسين التنسيق بين الجهات الأمنية والبلديات، كان لها دورًا فعالًا في تعزيز الأمن في المجتمعات المضيفة.
بحسب أحد رؤساء البلديات الذين قابلناهم، فإن إتمام عمليات التسجيل يضمن حصول اللاجئين على الوثائق اللازمة، مما يمكن البلديات من لعب دور أكبر وأكثر حسمًا في إدارة أزمة اللاجئين بشكل فعّال وإنساني. فيسهل تأمين الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم والصرف الصحي. وهذا بدوره يساهم في ضبط الموارد وتيسّر التعاون مع المنظمات غير الحكومية والدولية. كما يسهل التسجيل التنسيق بين البلديات والوزارات المعنية لمواءمة الجهود المحلية مع السياسات الوطنية المتعلقة بإدارة شؤون اللاجئين، بما في ذلك مشاركة البيانات والموارد مع الجهات الأمنية الرسمية للحفاظ على النظام ومعالجة أي اضطرابات أمنية.
تحديات الإطار القانوني
يواجه الإطار القانوني العديد من التحديات التي تؤثر على فعالية السياسات والقرارت الخاصة لإدارة شؤون اللاجئين:
أولها عدم وجود سياسة وطنية شاملة لإدارة أزمة اللاجئين تعالج احتياجاتهم وتحمي حقوقهم، ما يؤدي إلى تباين في تنفيذ القرارت ذات الصلة على المستوى البلدي المحلي. فوجود ثغرات أو غموض في الإطار القانوني العام في ما يتعلق بوضع اللاجئين وحقوقهم، يؤدي إلى تطبيق غير منسق للقوانين والأنظمة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، قيام بعض البلديات بالتهديد بالإخلاء متجاوزة صلاحياتها التي تقتصر بحقها بطلب الإخلاء في حال تبيّن أنّ البناء أو جزءًا منه ينذر بالانهيار أو في حال توفر ما يشار إليه قانونًا بـ “الظروف الاستثنائية “، التي تكتسب الحكومة خلالها، لأغراض الضرورة، صلاحيات تقع عادةً خارج نطاق اختصاصها القانوني. وما قرار مجلس شورى الدولة الصادر في 8 شباط 2018 والقاضي بإلغاء توجيهات مديرية الأمن العام لسنة 2015، باعتبار أنّ “أزمة اللاجئين السوريين في لبنان لا تستوفي الشروط القانونية التي يمكن وصفها بـ “الظروف الاستثنائية”، لا يمكن للسلطات العامة، وامتدادًا للسلطات المحلية، التذرّع بالطابع الاستثنائي لأزمة اللجوء وتجاوز صلاحية السلطة القضائية لطلب الإخلاء من دون أمر قضائي”.
يضاف إلى ذلك القيود على الموارد التي تعانيه البلديات، خاصة مع انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية، ما خفض من القيمة المادية للجبايات المباشرة وحد ّمن قدرتها على تنفيذ السياسات الوطنية، إن وجدت، بفعالية، وتقديم الخدمات الضرورية للاجئين.
ومن تداعيات هذا الضعف التشريعي أّنّه لا يوفر الحماية الكافية للاجئين من التمييز والاستغلال، مما يجعل الكثير منهم عرضة للإساءة وسوء المعاملة كما ظهر في المثال السابق.
من هنا تكمن أهمية أن يقوم مجلس النواب بمراجعة شاملة لقوانين البلدية ذات الصلة مثل تلك المتعلقة بضمان حقوق الأجانب بالتنقل والسكن وشروط العمل وتعلّم الأطفال والرعاية الصحية والأمن وضمان حق المقاضاة، وتطويرها لمعالجة هذه التحديات وتعزيز السياسات والإجراءات الداعمة، بحيث تُتوأم مع الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان والتي وقعها لبنان، فتمكّن البلديات والسلطات التنفيذية من تحسين وضع اللاجئين وضمان حقوقهم الإنسانية الأساسية.
أهمية معالجة هذه القضايا
تُعد معالجة قضايا اللاجئين السوريين في لبنان على مستوى البلديات من الأولويات الحيوية التي تستدعي الاهتمام العاجل والتنسيق الفعّال. إن ضمان حقوق اللاجئين كافة يمثل ضرورة إنسانية، حيث تساهم التشريعات والإدارة السليمة والدعم البلدي في الحفاظ على حياتهم وكرامتهم.
تزداد أهمية وضع سياسة وطنية واضحة لأزمة اللاجئين السوريين من قبل الحكومة مع اشتداد التوترات الاجتماعية والمنافسة الاقتصادية بين اللاجئين اللبنانيين والسوريين، والذي يؤدي إلى حوادث عنف متفرقة في جميع أنحاء البلاد. فوفقًا لدراسة حديثة، يرى غالبية اللبنانيين أن وجود اللاجئين في لبنان يشكل تهديداً للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي (Alef) .
الإدارة الفعّالة والعادلة لقضايا اللاجئين تسهم في منع التوترات بين اللاجئين والمجتمعات المضيفة، ما يعزز التماسك الاجتماعي والاستقرار. الإجراءات الشفافة والمنسقة التي تتخذها البلديات تبني الثقة بين اللاجئين والمجتمعات المحلية والحكومة، ما يعد ركيزة أساسية لتحقيق الحوكمة الفعّالة والوئام الاجتماعي. لذا، فإن معالجة هذه القضايا على المستوى المحلي بمظلة تشريعية حديثة تعتبر خطوة أساسية نحو تحقيق استجابة شاملة ومستدامة لأزمة اللاجئين.