كتب جاد فياض
خطّة توحيد إيران لساحاتها الإقليمية قد يواجهها فصل إسرائيل لهذه الساحات، إذ على الرغم من إصرار “حزب الله” على ربط جبهته بحرب غزّة، والإعلان عن استعداده لوقفها حينما توافق “حماس” على هدنة، فإن قادة إسرائيليين يقولون إن الجبهتين منفصلتان، وإسرائيل ستستمرّ في عملياتها شمالاً “لاستئصال خطر الحزب” القائم على حدودها الشمالية، بغضّ النظر عن الوضع القائم في غزّة.
تعتبر إسرائيل أن وقف الحرب مع “حزب الله” يستوجب تحقيق أهداف معيّنة، كما هي الحال في غزّة، حيث تشترط استعادة الرهائن وتغيير الوضعين السياسي والأمني في القطاع قبل وقف إطلاق النار. فالحرب ليست عبثية، وتبعاتها ليست مجانية، وهذا الأمر ينسحب على جبهة “حزب الله”، وبالتالي وجب التوصّل إلى نتائج، بعدها تحقّق إسرائيل أهدافها، لتتجه إلى وقف إطلاق النار.
مساران متصلان أم منفصلان؟
مدير مؤسسة الدراسات الفلسطينية رامي الريّس لا يرى مصلحة لأيّ طرف في إطالة أمد الصراع وتوسيعه، باستثناء إسرائيل، التي قد تستمرّ في حربها ضد “حزب الله” حتى ولو تم التوصّل إلى اتفاق وقف لإطلاق نار في غزّة. وهذا الاعتقاد ينطلق من مُحاولة فهم كيفية تفكير العقل الإسرائيلي، خصوصاً رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المحكوم باعتبارات سياسيّة تدفعه إلى الاستمرار بالحرب.
يُريد نتنياهو تحقيق أهداف تكتيكية واستراتيجية من حربه مع “حزب الله” وإيران تُغطّي على الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها المؤسستان الأمنية والعسكرية في غزّة قبل الحرب وخلالها، ومنها إبعاد الحزب عن حدوده، وإقامة منطقة عازلة “آمنة”، بالإضافة إلى إرساء معادلة ردع ضد محور إيران، تكون إسرائيل الطرف الأقوى فيها، ولهذا السبب قد يستمرّ في حربه شمالاً بالرغم من وقفها جنوباً.
مدير التحالف الأميركي الشرق أوسطي للديموقراطية توم حرب يستبعد بدوره توقف الحرب مع “حزب الله”، لأنّه يراها معركة أبعد، تصل إلى إيران التي تغذّي الحزب؛ وإسرائيل لا تُريد وقف هذه الحرب، بل تسعى لجرّ الطرفين إلى اشتباك أوسع يفضي إلى “إنهاء خطر “حزب الله” على إسرائيل من جهة، وإنهاء خطر إيران النووي من جهة أخرى”، وهذا الأمر يمهّد لعودة مناخات اتفاقات السلام في المنطقة.
نقطة اتفاقات السلام محورية، ويجب التوقف عندها. فقبل 7 أكتوبر وعملية “طوفان الأقصى”، كانت المنطقة قاب قوسين أو أدنى من تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية، لكن مستجدات غزّة عبثت بالترتيبات الحاصلة، وجمّدت مساعي التقارب؛ وهذا الحساب لا يغيب عن إسرائيل التي تُريد استكمال اتفاقات أبراهام، التي تلغي بمضمونها جوهر القضية الفلسطينية، وتُريد إلغاء كل ما يعرقل هذه الاتفاقات.
وفي حديث لـ”النهار”، يرى حرب “فرصة ذهبية” لإسرائيل لاستكمال حربها ضد “حزب الله” وتحقيق أهدافها، مما يدعم فرضية عدم انسحاب أي اتفاق هدنة في غزّة على لبنان. وبرأي حرب، فإن إسرائيل تستغل “الارتباك الأميركي” الحاصل حيال ما يجري في الشرق الأوسط، كما تستغل مبدأ أميركا القاضي بالدفاع عنها وتوجيه أساطيلها إلى المنطقة تحت هذا الشعار لاستكمال الحرب ضد “حزب الله” وإيران التي تُشكّل خطراً نووياً.
هل الحلول الديبلوماسية ممكنة؟
“حزب الله” يُريد وقف إطلاق النار وليس بعيداً عن أجواء التسويات الديبلوماسية، وفق ما كشفه رئيس مجلس النواب نبيه برّي، حينما قال إن الموفد الأميركي آموس هوكشتاين “طرح تراجع “حزب الله” 8 كلم عن الحدود لتهدئة الأوضاع في مناطق الشريط الحدودي، فطالبتُ بالمقابل بتراجع الجيش الإسرائيلي عن الحدود 8 كلم أيضاً”، ممّا يعكس انفتاح الحزب على الحلول الديبلوماسية.
الباحث في الشؤون الاستراتيجية رياض قهوجي ينطلق من فكرة التسويات؛ وبرأيه، فإن “حزب الله” مستعدّ لمناقشة حلّ ديبلوماسي “في حال تم التوصّل إلى اتفاق هدنة”، وإسرائيل بدورها أبلغت عبر هوكشتاين شروطها لوقف إطلاق النار شمالاً. لكن إن لم يتوافر المخرج السياسي، فإن إسرائيل “على الأرجح” قد تلجأ إلى الحلول العسكرية حتى يتم التوصل إلى اواقع أمنيّ جديد تُطالب به.
لكن هذه الحلول الديبلوماسية بعيدة عن المفاوضات الجارية حول غزّة، مما يعني أنّ أيّ اتفاق هدنة مفترض لن يشمل الجبهة مع “حزب الله” على الورق، وهذا ما يتفق عليه الباحثان. وفي حين يقول الريّس إن التركيز هو على غزّة لأنها أساس الصراع في المنطقة، يُشير قهوجي إلى أن ملف “حزب الله” منفصل تماماً، لأن الحزب يرفض مناقشة الحلول الديبلوماسية والمطالب الإسرائيلية قبل وقف إطلاق النار في غزّة.
هل تنجح الضغوط الدولية في تغيير المسار؟
في حالات كهذه، وحينما تكون إسرائيل ونتنياهو خارجين في ممارساتهما عن السيطرة، عادةً ما يتم التعويل على الجهود الديبلوماسية والضغوط الدولية، خاصة الأميركية، لثنيهما عن التصعيد، ولدفعهما إلى الموافقة على وقف إطلاق نار. لكن أسهم هذا السيناريو ضعيفة في ظلّ رفض نتنياهو الانصياع لتوجيهات البيت الأبيض التي تقضي بالتهدئة، وبالإصرار على التصعيد.
هذا الواقع ناجم عن ظروف أميركية استثنائية، وهي قرب انتهاء ولاية إدارة الرئيس الحالي جو بايدن وعدم ترشّحه للسباق الانتخابي مرّة آخرى، مما يعفي نتنياهو من الضوابط الأميركية. وهذا ما يُشير إليه الريّس في حديث لـ”النهار” مستبعداً نجاح بايدن بلجم إسرائيل عن التصعيد في لبنان، لكنه في الوقت نفسه يلفت إلى إمكانية نجاح الضغوط في إبقاء الجبهة بين الحزب وإسرائيل ضمن قواعد الاشتباك الحالية.
الضغوط الأميركية الحالية تعمل على خطين متوازيين، الأول مُحاولة التوصّل إلى وقف إطلاق نار، والثاني مُحاولة عدم توسيع الاشتباك ليُصبح إقليمياً على مساحة أوسع. وبحسب قهوجي، من المستبعد أن تضغط الولايات المتحدة لوقف عمليات إسرائيل ضد “حزب الله”، لكنها “تُبدي معارضة ضد استهداف إسرائيل للبنية التحتية اللبنانية” وتضغط من أجل ذلك.
حرب لا يرى إمكانية أميركية لردع إسرائيل عن حرب ضد “حزب الله” بعد الهدنة في حال حصلت، لأن الكونغرس بأغلبيّته داعم لإسرائيل. وفي حال قرّرت الإدارة الأميركية إلزام إسرائيل بعكس ما تُريد، فإن الكونغرس قادر على التحرّك من خلال إقرار قوانين الدعم لإسرائيل، وتكبيل يدي بايدن، الذي يُصبح غير قادر على فرض أيّ “فيتو”، ومُلزم بتطبيق القانون.
في المحصلة، فإن الكرة في ملعب إسرائيل، لأن “حزب الله” أعلن صراحة أنّه سيلتزم بوقف إطلاق النار متى وافقت “حماس” على الاتفاق والتزمت به إسرائيل. لكن الأخيرة لم تُعلن أي نوايا من هذا القبيل، لا بل إنها تسعى لفصل الجبهتين وتحقيق نتائج معيّنة في جنوبي لبنان، تحفظ لنتنياهو بعض المكاسب السياسية الداخلية، بانتظار ما قد تفرزه الضغوط الدولية على خط مفاوضات الهدنة وخط التهدئة في الجنوب اللبناني.