كتب عمر أبو ليلى
شهدت منطقة الشرق الأوسط، على مدار العقد الماضي، زيادة ملحوظة في إنتاج المخدرات والاتجار بها، وهو الأمر الذي تأجج بشكل كبير بفعل الصراع السوري، مع لعب وكلاء إيران دورًا رئيسًا في هذا السياق.
وحولت حالة الفراغ الأمني وانهيار سيطرة الحكومة السورية البلاد إلى أرض خصبة لهذا النشاط غير القانوني؛ حيث أصبحت سوريا وإيران مركزًا رئيسًا لإنتاج وتوزيع المخدرات في المنطقة.
ويلعب مخدر “الكبتاغون”، الذي يجمع بين الأمفيتامينات والكافيين، دورًا محوريًا في تجارة المخدرات غير المشروعة، التي تنظمها هاتان الدولتان. ويبدو أن الحلفاء قد اختاروا “الكبتاغون” بشكل استراتيجي؛ باعتباره المادة الأكثر فاعلية لاختراق الأسواق في السعودية والإمارات ودول عربية أخرى مجاورة للدول الخليجية، بفضل تكاليف إنتاجه المنخفضة وتوافره على نطاق واسع.
وباعتبارها المنتج الرئيس لـ “الكبتاغون” في العالم، من المرجح أن تستخدم سوريا تجارة المخدرات كوسيلة رئيسة لدعم نظام بشار الأسد؛ إذ يتم تهريب “الكبتاغون” عبر عمليات تُسهلها الميليشيات المرتبطة بإيران إلى الدول الخليجية، مما يجعل هذه التجارة ليست مجرد نشاط اقتصادي غير مشروع فحسب، بل تشكل أيضًا شريانًا ماليًا حيويًا لعدد من الجماعات المسلحة، مما يزيد من حدة العنف وعدم الاستقرار في جميع أنحاء المنطقة.
وتلعب المجموعات المسلحة الموالية لإيران في لبنان والعراق، بما في ذلك حزب الله وكتائب حزب الله وعصائب أهل الحق، دورًا مهمًا في تهريب “الكبتاغون”، مستغلين نفوذهم على الحكومات المحلية. وعلى الرغم من الجهود المبذولة من قِبل الأردن والسعودية والإمارات لمكافحة تجارة “الكبتاغون”، والتي تتراوح بين الغارات الجوية واستهداف المهربين ومستودعاتهم، فإن هذه الإجراءات لم تحقق سوى نجاح محدود في الحد من تدفق هذا المخدر.
وقد يتطلب التصدي للتحدي المتنامي الذي يمثله “الكبتاغون” من الدول العربية التفكير في تبني استراتيجيات جديدة، مثل التركيز على العلاج، بدلاً من العقاب للمستخدمين، وتعزيز ممارسات إنفاذ القانون، وتحسين تبادل المعلومات الاستخباراتية بين الدول الإقليمية.
كما يمكن أن تستفيد هذه الجهود من زيادة الدعم والمساعدة من الولايات المتحدة. ومع التهديد المتزايد بظهور مواد أكثر تدميرًا مثل “الميثامفيتامين”، هناك شعور بأن جهود مكافحة تهريب المخدرات قد تحتاج إلى تعزيز، وهذا يمكن أن يشمل استهداف مختبرات “الميثامفيتامين”، وقطع سلاسل الإمداد، وإغلاق السبل التي قد تزيد من تفاقم مشكلة المخدرات.
صعود “الكبتاغون”
منذ اندلاع الصراع السوري في عام 2011، شهدت البلاد تراجعًا حادًا في الأمن وفقدان السيطرة الحكومية على مناطق شاسعة، وقد سمح هذا الفراغ الأمني لأمراء الحرب والجماعات المسلحة بالسيطرة على مناطق رئيسة، مستغلين إياها لممارسة أنشطة غير قانونية متنوعة. وفي غياب الرقابة الحكومية، انتشرت مصانع إنتاج المخدرات بسرعة في جميع أنحاء سوريا، وأصبحت هذه المصانع مصدر إنتاج رئيسًا لـ “الكبتاغون”، الذي يُشار إليه غالبًا بـ “كوكايين الفقراء”، وهو مخدر يحتوي على الأمفيتامينات والكافيين والثيوفيلين.
وتشير تقارير عديدة إلى أن سوريا مسؤولة عن إنتاج نحو 80 بالمائة من “الكبتاغون” في العالم، مما يعزز مكانتها كعاصمة متفردة لهذه المدة المخدرة. ويُتهم النظام السوري بتسهيل إنتاج وتصدير “الكبتاغون” لتحقيق أرباح اقتصادية، خاصة في مواجهة العقوبات الدولية، رغم استمرار حكومة دمشق في نفي هذه الاتهامات.
وتُدار هذه المصانع غالبًا من قِبل جماعات مسلحة مرتبطة بالنظام السوري أو مدعومة من إيران، مما يعقد الجهود المبذولة لمكافحة تجارة الكبتاغون. وقد تطورت تجارة المخدرات لتصبح مصدرًا حيويًا لتمويل الأنشطة العسكرية داخل سوريا، مما يزيد من تعقيد الصراع ويطيل أمده.
ويتم تهريب “الكبتاغون” أساسًا إلى الأردن والدول الخليجية؛ حيث تكثف السلطات جهودها للحد من التجارة من خلال قوانين أكثر صرامة وضبطيات كبيرة، ومع ذلك، فإن تأثير تجارة “الكبتاغون” يمتد إلى ما هو أبعد من حدود سوريا، مهددًا الأمن الاجتماعي والاقتصادي للدول المجاورة وكذلك الدول الخليجية.
أمراء الحرب وأمراء المخدرات
أصبح أمراء الحرب في سوريا منظمين رئيسين لشبكات التصنيع والتوزيع داخل تجارة المخدرات، وقد أصبح “الكبتاغون” أحد أهم مصادر الدخل لهؤلاء الأمراء؛ حيث يوفر لهم التمويل اللازم لمواصلة عملياتهم العسكرية والسياسية.
وقد أنشأ هؤلاء شبكة معقدة من المصانع والطرق اللوجستية لتهريب المخدرات من سوريا، تشمل شبكاتهم تحالفات مع جماعات مسلحة أخرى ومهربي البشر وأطراف خارجية، مما يجعل تتبع عملياتهم وإيقافها أمرًا صعبًا للغاية؛ حيث تُدار العمليات غالبًا من قِبل أفراد لهم نفوذ عسكري وسياسي في مناطق سيطرتهم.
وتلعب إيران دورًا حاسمًا في تجارة المخدرات، كجزء من استراتيجية أوسع لزعزعة استقرار المنطقة، مستغلة ضعف الأجهزة الأمنية والحروب المستمرة لتوسيع نفوذها، كما تستخدم الميليشيات الموالية لطهران الأرباح الناتجة عن تجارة “الكبتاغون” لتمويل أنشطتها الإرهابية والعسكرية، مما يزيد من تعقيد الوضع الأمني في المنطقة.
يُهرب الكبتاغون بشكل رئيس إلى دول مثل السعودية والإمارات عبر طرق برية وبحرية معقدة، وتعكس الضبطيات المتكررة لمئات الملايين من حبوب “الكبتاغون” حجم الإنتاج الهائل والطلب الكبير على هذا المخدر في المنطقة.
وفي ظل تفاقم العنف وعدم الاستقرار في جميع أنحاء المنطقة، فإن تداعيات تجارة “الكبتاغون” تتجاوز بطبيعتها حدود سوريا، مما يجعل مكافحة تجارة الكبتاغون تحديًا أمنيًا إقليميًا ملحًا، يتطلب التعاون الدولي والجهود المنسقة بين الدول المتضررة.
الأسواق المستهدفة
بفضل الكثافة السكانية العالية والاقتصادات القوية، تمثل الدول المحاذية للمنطقة الخليجية سوقًا مربحة لشبكات الاتجار بالمخدرات، مما يجعلها أهدافًا رئيسة للأنشطة غير المشروعة.
وتلعب إيران أيضًا دورًا محوريًا في هذا السياق؛ إذ تشير التقارير الدولية إلى أن إيران تعد لاعبًا رئيسًا في شبكات التهريب؛ حيث تمر المخدرات عبر الأراضي الإيرانية للوصول إلى الدول الخليجية.
وفي مواجهة التحديات المتزايدة لتهريب المخدرات، وخصوصًا من مصادرها في لبنان وسوريا، اتخذت الدول الخليجية عدة إجراءات، مثل حظر الواردات من هذه المناطق وتشديد إجراءات التفتيش عند المعابر الحدودية، كما يعكس تشكيل فرق عمل مشتركة تهدف إلى تفكيك شبكات التهريب ومحاكمة الجناة على نطاق دولي جهدًا مشتركًا لمعالجة هذه المشكلة، ومع ذلك، فإن تجارة الكبتاغون المتصاعدة تقدم تحديات كبيرة، مع تفاقم الفساد، ونقص الموارد، وتعقيد طرق التهريب، مما يصعّب من جهود الإنفاذ.
وعلى الرغم من الحملات الأمنية المستمرة، فإن الصعوبة في الحد من التجارة تبرز التحديات التي تواجهها هذه الدول، وهناك تركيز ملحوظ على تعزيز التنسيق الأمني مع الدول المجاورة وتطوير استراتيجيات شاملة لمكافحة تهريب المخدرات؛ ويشمل ذلك الاستثمار في التكنولوجيا الحديثة، وزيادة التعاون مع المنظمات الدولية لتبادل المعلومات الاستخباراتية، كما يسلط النهج المتعدد الأبعاد الضوء على تعقيد المشكلة والحاجة إلى جهود مستدامة وتعاونية للتخفيف من تأثيرها.
تأثير على أنظمة الرعاية الصحية والمجتمعية
تؤثر تجارة المخدرات، لا سيما انتشار “الكبتاغون”، بشكل عميق على المجتمعات في الدول الخليجية وسوريا؛ حيث يواجه المستخدمون عواقب صحية وخيمة، بما في ذلك الإدمان، وفقدان القدرة الوظيفية، وزيادة الجرائم المرتبطة بالمخدرات.، وتفاقم العبء المالي على أنظمة الرعاية الصحية، التي تحاول إدارة تداعيات هذه المشكلات، وما تمثله من ضغط على المؤسسات العامة.
وفي ضوء هذه التحديات، هناك اعتراف متزايد بضرورة تعزيز استراتيجيات الوقاية والعلاج للتخفيف من آثار الإدمان على المجتمعات.