بخصوص تويت مريم البسام عن بشير الجميل

كتب هشام بو ناصيف

مريم البسّام، اسمعينا جيّدا، من الآخر، وبدون دوران : نعم، بشير الجميّل لاقى الاسرائيليّين على ظهر طرّاد اسرائيلي، وقابلهم بنهاريّا، وبغير نهاريّا. نحبّه مع ذلك، ونحبّه أكثر مع كلّ تويت جديد ضدّه من اعلاميّي تمجيد صبّاط السيّد. تذكرين بتعليقك كتاب الأستاذ جوزيف أبو خليل “قصّة الموارنة بالحرب”.

“عمّو جوزف”، كما كان الباش يحبّ أن يسميه، كشف بهذا الكتاب أنّ مقاتلي الكتائب رفضوا ذات مرّة الذهاب الى الجبهة لأنّ ذخيرتهم فرغت. في تلك الليلة، وبرغم تردّد بيار الجميّل، استقلّ أبو خليل طرّادا صوب اسرائيل لطلب السلاح، وبدأت العلاقة المسيحيّة – الاسرائيليّة بالحرب.

ماذا كان ينبغي للمسيحيّين المحاصرين أن يفعلوا آنذاك؟ مجزرة الدامور كان يمكن أن تتكرّر ببكفيّا، وجونية، وجبيل، بل كانت بالتأكيد تكرّرت لو لم يدافع مجتمعنا عن نفسه بوجه كارهيه. كي نبعد الساطور عن أعناقنا كنّا بحاجة لسىلاح.

طلبناه من الغرب أوّلا، فما بالى – وهذا، بالمناسبة، موثّق بالأرشيف الأميركي. ثمّ حصل عليه بشير من الاسرائيليّين، وحسنا فعل: المهمّ، وقتها، أنّه حصل عليه. المهمّ، بمعنى آخر، أنّ محرقة مسيحيّي تركيا لم تتكرّر بلبنان.

مريم البسّام، اسمعينا جيّدا: نحن فخورون بالباش، وبالشباب الذين حاربوا معه. لم تكن تجربة الجمهوريّة الأولى كاملة، صحيح. ولكنّ نظامها كان ليبراليّا؛ وجيشها لم يحترف الانقلابات؛ والمخابرات لم تحكمها؛ ولم يكن فيها حزبا حاكما واحدا على غرار أنظمة البعث، والسجن العربي الكبير. هذه الجمهوريّة التي قاتل بشير ورجاله من أجلها لم تكن تستحقّ كلّ الكراهية التي وجّهت صوبها.

المسيحيّون صنعوها، صحيح، ولكن كان فيها مكان لسواهم: كمال جنبلاط لم يكن تفصيلا بالمشهد، ولا رياض الصلح، أو رشيد كرامي. السؤال ليس لماذا التقى بشير الاسرائيليّين؛ حقّه الطبيعي آنذاك ( بل واجبه ) أن يعمل لرفع الساطور الطائفي عن عنق مجتمعه.

السؤال الحقيقي هو من دفع بشيرا صوب الإسرائيليين ؟ من أرغم جوزيف أبو خليل على أن يستقلّ ذلك الطرّاد؟ والجواب، طبعا، هو من ذبح شريكه بالوطن مدفوعا بكراهية تاريخيّة تجاهه، ومن وأراد شطب جماعة من المعادلة بقوّة السلاح الفلسطيني.

غير صحيح أنّ بشيرا هو من “مؤسّسي فريق القتل، والذبح على الهويّة”. من أسّس فعلا فريق القتل هو من أجهز على الجمهوريّة اللبنانيّة أساسا، وعبّد طريق الحرب والجنون كرمى لأبو عمّار وفدائيّيه. لم يكن هناك لا من قتل، ولا من فريق قتل، يوم كانت الدولة دولة.

وعندما حاول شارل حلو ( الذي لم يعرف عنه التطرّف المسيحي مرّة ) ممارسة أدنى صلاحيّات الدولة، عنيت ضمان حصريّة السلاح فيها، اعتكف من اعتكف، وقاطع من قاطع، وتواطأ من تواطأ. دماء اللبنانيّين مذّاك على رؤوس هؤلاء، ومن يدافع عن خيارتهم الى اليوم.

لو كان هناك دولة لحاكمت بشير؟ لو كان هناك دولة، بالحقيقة، لحاكمت آنذاك رئيس حكومة صدح بأنّه “الفدائي الأوّل”، يوم كان الفدائيّون يتسلّون بخطف عناصر الجيش اللبناني، والمدنيّين اللبنانيّين، ومنهم ذات مرّة فتى شجاع، شاهد بأمّ العين ما فعلوه، هو بشير الجميّل نفسه.

ولو كان هناك دولة اليوم، لحاكمت من تدافع عنه مريم البسّام، عنيت الأصولي المتطرّف الذي بنى دولة داخل الدولة وضدّها؛ ودفع العلاقات بين المكوّنات الطائفيّة الى درجة غير مسبوقة من الاستقطاب؛ وحمى المنظومة الفاسدة التي أفقرت اللبنانيّين؛ ومنع التحقيق بقضيّة المرفأ؛ وسلّم قرار لبنان الاستراتيجي لايران؛ قبل أن يجرّنا اليوم الى حرب / محرقة، لا يريدها أحد غير جماعته.

غير صحيح أنّنا نحبّ بشيرا لأنّنا أجيال “ترفض أن تقرأ”.

نحن أجيال تقرأ، وتبحث بالأرشيف، وتقع بالوثائق التي رفعت السريّة عنها على أسباب جديدة لاحترام وطني شجاع لم يقل بالاجتماعات المغلقة غير ما قاله علنا، واختار الدفاع الصريح عن لبنان، بدل التجارة بفلسطين التي احترفها سواه، ولا يزال. وعندما سيظهر التاريخ السرّي للحرب، وهو بدأ بالظهور، سيعلم اللبنانيّون أنّ وضوح بشير الجميّل، وشفافيّته، كانت الاستثناء عند لاعبي المرحلة، لا القاعدة.
‎@

اخترنا لك