بقلم بلال مهدي
الوضع الحالي الذي يواجهه التيار “العوني” يعكس حالة من الانحراف الخطير عن المبادئ التي قام عليها، مما يشكل تهديداً جسيماً للحياة السياسية العامة في لبنان. نواب التيار الحاليون يجب أن يدركوا أن هذا الانقلاب على المبادئ لن يؤدي إلا إلى انهيار داخلي شامل، وفقدان القاعدة الجماهيرية التي كانت تؤمن بنهج وقضية التيار في مراحله الأولى.
هذا الضياع هو نتاج لتخلي التيار عن قيمه الأصلية التي ضحى من أجلها رجال كُثر في المنفى، بهدف تحقيق المشروع الوطني الشامل. استمرار هذا المسار لن يجلب إلا المزيد من التدهور والانقسام داخل التيار، مما يهدد بإفراغه من محتواه الوطني وفقدان ثقة الجمهور الذي آمن به يوماً ما.
ليس من الغريب أن يكون الجنرال ميشال عون هو العقل المدبر وراء التحولات الأخيرة داخل التيار “العوني”. فقد طلب من جبران باسيل التصرف بطريقة تقضي على أي تحرك داخلي يسعى إلى المنافسة على الرئاسة أو الزعامة، طالما أن الجنرال لا يزال على قيد الحياة. ولسوء الحظ، هناك العديد من الأشخاص المستعدين لملء أي فراغ في المناصب دون وعي أو دراية بخطورة المخطط، مما يعمق الانقسامات داخل التيار.
ما وصلت إليه الأمور في التيار “العوني” كان متوقعًا، لكنه جاء متأخرًا، إذ لطالما حذرنا من عواقب “حُمى باسيل” التي أصابت الجسم التغييري بالكامل. هذه “الحُمى” سبق أن أزعجت جنرالات كانوا هم أساس وجود التيار، وقد كانت لديهم الشجاعة للانسحاب من هذه المسيرة الهالكة وإعلان استقالاتهم، مؤكدين على إيمانهم بالعمل المؤسساتي وكشفهم لمخطط “الخلافة” الذي أدى إلى هلاك التيار.
أما النواب الذين انفصلوا مؤخرًا من التيار، فهم نتيجة للواقع الحالي، وليسوا السبب. ويستبعد إمكانية تكاتف هؤلاء النواب في تكتل جديد. فهم لم يمارسوا يومًا واحدًا الحياة المؤسساتية الحقيقية داخل التيار، بل كانوا يمارسون “تبجيل الزعيم”، سواء كان ميشال عون أو جبران باسيل، بالإضافة إلى التنافس فيما بينهم. وإذا شكلوا تكتلاً خارج التيار، فما ستكون قضيته؟ ومن سيصدقهم؟
ما وصل إليه “التيار العوني” اليوم ما هو إلا نتيجة لتحولاته منذ أن رُفض ما أُطلق عليه “الكتاب البرتقالي” عام 2005. كان الهدف من هذا الكتاب تحويل التيار من جماعة تابعة إلى مؤسسة، لكن غطرسة الجنرال عون وعائلته حولت المشروع من مؤسسة وطنية إلى مشروع عائلي. وكان عون قد صرّح في الدوحة بأن الأحزاب في لبنان كانت تجمع بين العائلات وتحولت إلى مشروع العائلة الواحدة، وهذا ما تجسد لاحقًا في التيار الذي أصبح تحت سيطرة “صهر الجنرال”، جبران باسيل.
لقد خسر نواب التيار عندما تم إهمال تضحيات الجنرالات القدامى، وما نشهده اليوم هو نتاج خيانة عون لرفاق السلاح، واستكماله للقضاء على مشروع الذين عانوا تحت حكم الوصاية السورية في زنزانات السلطة آنذاك.
لطالما أكد المناضلون القدامى في الصفوف الطلابية للتيار أنهم تركوا التنظيم عندما أصبح واضحًا لهم أن التيار بدأ رحلته للتحول نحو المحاصصة والاتجار بالتضحيات في سبيل الوصول إلى الحكم والسلطة. هذا التحول من مؤسسة نضالية إلى مشروع فردي لا يشبه رؤيتهم، بل أصبح جزءًا من المنظومة الحاكمة. بدأ ذلك بعدم الشفافية المالية الداخلية، والترويج للولاء الشخصي على حساب الكفاءة، وتُوج بتقديم الولاء لنظام بشار الأسد، مما اعتُبر خيانة لتضحيات شهداء الجيش الذي قاده الجنرال عون وتركه لمصيره وفر هاربًا إلى السفارة الفرنسية.
الحلم الضائع لطلاب “التيار العوني” القدامى، كان بناء حزب مؤسساتي يعيد بناء الدولة القادرة والعادلة بعد عودة الجنرالات الثلاثة من المنفى. كان الهدف أن تكون هذه التجربة نموذجًا للتغيير في لبنان، لكن ما حدث كان عكس ذلك تمامًا. فقد استمر التيار في العمل وفق منطق الزعامة المؤبدة والولاء للأشخاص، مع غياب تام للانتخابات الحرة وانعدام الشفافية المالية.
لقد هدم الجنرال ميشال عون حلم الشباب ووجه كل التضحيات لخدمة “الشركة” العائلية التي حصدت تضحيات أجيال من المناصرين وأودعت رصيدها في جيب “صهر الجنرال الأصغر”، جبران باسيل. هذا الانحراف بلغ ذروته عندما تنازل عون عن رئاسة التيار وسلم “الخزنة والمفتاح والكرسي” بالتزكية إلى باسيل، مما أدى إلى بدء غرق الحلم في مستنقع الفساد والسلطة على مدار العقد الماضي.
والآن، وبعد هذه النكسة المؤلمة التي يشعر بها الطلاب القدامى، يبقى السؤال: هل كانت كل تلك التضحيات والجهود تستحق هذا المصير؟ وهل كانوا ليخوضوا هذه الرحلة لتحقيق الحلم المؤسساتي لو علموا حينها بأنه سوف يُدفن في ظل الوصاية العائلية التي انتهت بسيطرة “الصهر الأصغر”؟
في النهاية، يجب على جبران باسيل تغيير اسم التيار الوطني الحر إلى اسم آخر يعكس واقعه الحالي، حيث لم يعد يعبر عن “تيار” ولا “وطني” ولا “حر”.