كتب القاضي الدكتور غسّان رباح
أن يأتيك نعي أيّ امرئ بعد حياة قضاها بين الخير والشر والعمل براحة أو بدونها، لهو أمر طبيعيّ ومبرّر في تمضية مشوار العمر مهما كان نوعه، والخطوات التي مشاها فيه. أمّا أن يصلك نعي إنسان له ميزاته الخاصّة وفضائله المتعدّدة، فذلك أمر يختلف عمّا سواه…
هذا ما حصل معي عندما علمتُ بغياب الدكتور سليم #الحص، إذ أعادني هذا الخبر إلى أوقات أمضيتها معه وفي منزله خلال الأعوام العشرين التي مضت، مستذكراً إطلالته المهيبة والوقورة معنا، إلى جانب التمتّع بفكره الثاقب وقوّة نظراته وجميل وهدوء تصرّفاته، لا بل عمق ورخامة صوته، وكيفية صدور آرائه عن ثقافة تنسيك أنّه كان خبيرًا اقتصاديًا أو شخصية سياسيّة مرموقة. إضافةً إلى موهبة التحدّث معك بكلّ لطف وأدب، ومتابعة واحترام الرأي الآخر مهما كان مختلفًا معك في ما تفكّر أو تعتقد، وحتّى في ما تؤمن بأفكار لها أبعادها، حتّى ولو لامست حدود الاعتقاد والإيمان، لا بل أكثر من ذلك جميعًا.
خلال هذه الأوقات الثمينة كنت أجادله في بعض ما كتبه في السياسة المتعدّدة، فأجده سارحًا خارج مضمونها، مستذكرًا أمورًا معينة بسيطة لا بل ساذجة تعود به إلى سنوات نشأته ومراهقته وشبابه وكهولته، وحتى الطفولة التي عاشها والأيام التي قضاها خلال ممارسة العمل السياسي، بيروتيًا، لبنانيًا، وعربيًا. بالإضافة إلى العلاقات التي نسجها، هاويًا العمل الوطني، بعيدًا عن احتراف السياسة بمعانيها المعروفة.
عندما كنت أسأله عن الحقبات التي قضاها حاكمًا في الوزارات المتعاقبة وما عنت له، والأزمات التي عاشها من خلالها، كان يعللها بابتسامات بريئة بل وساخرة في بلد قال ديغول بحكمه إن الله تعالى وحده قادر على ممارستها. مضيفًا، ردًا على تساؤلات شخصية وحميمة، أنّ والده ووالدته وعائلته القريبة والبعيدة علّموه أمورًا يصعب على غيرهم من الناس الأتقياء أنّ يعلموه إياها أو يجعلوه مؤمنًا بها، إذا استبعدنا إيمانه الديني بمعتقدات تلك العائلة.
وإذا ابتعدنا عن هذه الأمور للنقاش فيما هو أقرب إلى مصالح الناس وهمومهم، كان يختصر مسترجعًا الأيام الصعبة التي أمضاها مع تجار السياسة، مهما كانت الفئة أو الطائفة التي ينتمون إليها.
أما عن تسميته بأنه يمثل ضمير لبنان واللبنانيين، فيعتبر وهو باسم كذلك، أنّ هذه التسمية أمر عاديّ، باعتبار أنّ الضمير هو الوحيد لدى البشر الذي عجز أيّ جرّاح عن تركيبه أو إضافة أجزاء منه إلى مكوّنات الجسم البشريّ.
وهذا ما كان يذكّرني بتوأم له عاش ومات متمتّعًا بهذا “الضمير”، هو المغفور له ريمون إده، وغيرهما القليل…
سليم الحص كان “بيضة زمان”، وسوف تطول أيام انتظار بديلها أو مثيلها في كلّ المناسبات ومختلف الأزمنة التي يعيشها هذا البلد المحسود على قدرات شعبه، أفرادًا لا جماعات…