بقلم عقل العويط
قبل أيّام، كنا نسأل بتوجّس متى يقع “الردّ”، متى تقع “الضربة”، وأين يقعان؟ وعندما يقعان، ماذا يلي وقوعهما؟
أمّا وقد وقع “الردّ” ووقعت “الضربة”، ووقع معهما، أو قبلهما، استباق “الردّ” و”الضربة”، فقد بات في مقدورنا أن نقول ها هو “الرد” و”الضربة” قد وقعا، علمًا أنّهما واقعان وملازمان حياتنا من زمان. وهما حربٌ. بل هما الحرب مع أل التعريف. ولا فرق. إذ متى لم تقع حربٌ في حياتنا؟ متى لم تقع الحرب؟! ومتى لم نكن نحن وفلسطين وقودها وقرابينها؟!
لكنْ، ماذا نجم عن “الردّ” و”الضربة”؟ هل حقّقنا نصرًا على إسرائيل، كما وُعدنا؟ هل ردعنا إسرائيّل عن غيّها، ووضعنا لعنجهيّتها حدًّا نهائيًّا لن تجرؤ على تخطّيه، فبات في مقدورنا أنْ نعود إلى حياتنا العاديّة والطبيعيّة؟
منذ الثامنة من صباح الأحد، أوّل من أمس الأحد، أي بعد ثلاث ساعات تقريبًا من وقوع “الرد” – “الضربة”، و/أو من استباق وقوعهما، عادت “قواعد الاشتباك” إلى قواعدها الطبيعيّة والعاديّة، لكنّ حياتنا لم تعد إلى الحياة الطبيعيّة والعاديّة.
لم يقل لنا أحدٌ كيف يمكننا أنْ نعود إلى حياتنا هذه التي ليست طبيعيّة ولا عاديّة، في غياب الدولة، وسلطة القانون، وفلتان الحدود السائبة، جنوبًا وشرقًا وشمالًا. فبأيّ هواجس نعود، وبأيّ حدودٍ، وبأيّ جنوب، وبأيّ رئيس، وبأيّ حكومة، وبأيّ ليرة، وبأيّ رغيف، وبأيّ كهرباء، وبأيّ ليل، وبأيّ نهار، وتحت أيّ سقف، وعلى أيّ أرض، وهلمّ؟ لم يقل لنا أحدٌ ماذا بقي من الحياة لكي نعود إلى الحياة؟
هل قال أحدٌ كيف نعود إلى الدولة، وكيف تعود الدولة إلينا؟
نحن، إذًا، يضحك بعضنا على بعض، ويستخفّ بعضنا بعقول بعض.
نريد – ولنقلها بفجاجة – أنْ ننتهي لمرّةٍ واحدة وأخيرة مع (ومن) العدوّ الإسرائيليّ والكيان الصهيونيّ الغاصب، ولبنان سيّد حرّ مستقلّ، وبكلّ أراضيه.
نريد أنْ لا نعود ننتظر “ردًّا” و”ضربة”، ولا أن ننتظر استباقًا لـ”ضربة” و”ردّ”.
ولمرّةٍ واحدة وأخيرة. وبالدولة وحدها، ودون سواها.
أيّ شيٍ سوى ذلك، هو نفاقٌ مطلقٌ. وذرٌّ لموتٍ مفجعٍ ومتواصلٍ ومجانيّ وعبثيّ لا نريده البتّة. لأنّه يدور في حلقةٍ مفرغة.
لم نعد نريد هذا الموت. لم نعد نريد هذه الحلقة المفرغة. فلتُسحَب “قواعد الاشتباك” من التداول. لم نعد نريد “قواعد الاشتباك” هذه.
لكنْ مَن يجرؤ؟ لا أحد يجرؤ. لأن لا كرامة، ولا رجولة.
وحده القتيل، وهو نحن ولبنان وفلسطين، يحقّ له أنْ يكسر القواعد، وأنْ يقلب الطاولة على مَن حول الطاولة. لكنْ هيهات يستطيع! لأنّ القتيل هو محض “أضرار جانبيّة” في لعبة الأمم الجائرة الحقيرة السافلة: الإسرائيليّة الإيرانيّة السوريّة الأميركيّة الروسيّة الأوروبيّة الغربيّة الشرقيّة، وأدواتها وأذرعها. وهلمّ.
و”الأضرار الجانبية” هي نفسها حياتنا غير العاديّة والطبيعية. وهي ليست حياةً كريمة البتّة.
“الأضرار الجانبيّة” هي حياتنا القتيلة. وهي لبناننا القتيل وفلسطيننا القتيلة.
وخذوها منّي. ها هو الوقود. وها هي القرابين. قواعد اشتباك وأضرار جانبيّة.
لذا سنعود – فقط لا غير- إلى “قواعد الاشتباك”، التي هي مفتاح الحلقة العبثيّة الجهنّميّة المفرغة، النافية للحياة العاديّة والطبيعيّة.
أمّا الباقي فنفاقٌ نفاقٌ نفاق. وذرٌّ لموتٍ مفجع ومتواصل ومجانيّ وعبثيّ لا نريده البتّة. لأنّه يدور في حلقةٍ مفرغة.
خذوها منّي: لبنان وفلسطين. وشعب لبنان وشعب فلسطين. ومعهما شعب سوريا وشعب العراق. وقود وقرابين. قواعد اشتباك و… أضرار جانبيّة!