حرب الجنوب و «لعبة الدجاج»

كتب د. مكرم رباح

«لعبة الدجاج» الشهيرة التي تظهر في العديد من الأفلام، تتضمن سيارتين تتجهان مباشرة نحو بعضهما البعض.

السائق الأول الذي ينحرف ويتجنب الاصطدام، يخسر اختبار الشجاعة ويُلقب بـ«الدجاجة».

«لعبة» مشابهة حدثت خلال عطلة نهاية الأسبوع، عندما اختبرت إسرائيل و«حزب الله» عزيمة بعضهما البعض في تبادل عسكري مستمر، تصادف ذكراه الأولى في الثامن من أكتوبر المقبل.

ومع ذلك، كما أظهرت هذه الأحداث، ظهر أن «حزب الله»، سياسياً أو عسكرياً، ليس منافساً يضاهي آلة الحرب الإسرائيلية.

ونتيجة لذلك، وُصف بأنه “دجاجة” وسخر منه الجمهور العام، بما في ذلك غالبية المواطنين اللبنانيين، وحتى من المحسوبين عليه.

مع بزوغ فجر الأحد الماضي، شنت القوات الإسرائيلية سلسلة من الضربات الاستباقية على أهداف عدة في لبنان، محيدةً منصات إطلاق تابعة للحزب.

ووفقاً للتقارير، كانت هذه المنصات تستعد لشن ضربة انتقامية ضد إسرائيل، بهدف الرد على اغتيال القائد العسكري البارز فؤاد شكر، الذي سقط في غارة جوية إسرائيلية في عمق الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل «حزب الله» والمفترض أنه “ملاذ آمن”.

خلال الأسابيع القليلة الماضية، أثار الرد المتوقع للحزب، قلق الكثيرين، خوفاً من أن تنفذ إيران و«حزب الله» تهديداتهما المتكررة بمهاجمة تل أبيب ومدن إسرائيلية أخرى، ما يجر المنطقة بأكملها إلى حرب شاملة.

ومع ذلك، أثبتت هذه التهديدات أنها لم تكن شيئاً مثل وعد إيران بمحو إسرائيل في «أقل من 8 دقائق».

اعتمدت إيران وميليشياتها التابعة بشكل كبير على الدعاية وما تعتقد أنه حرب نفسية. تضمنت تكتيكاتهم الأخيرة إصدار الحزب، فيديو، يُظهر شبكة أنفاق معقدة يمكنها استيعاب شاحنات كبيرة محملة بصواريخ دقيقة.

أُطلق على المنشأة اسم «عماد 4»، نسبة إلى أحد زعماء الميليشيات المؤسسين، عماد مغنية، الذي اغتيل في دمشق في فبراير 2008.

ورغم الادعاءات بامتلاك أسلحة فتاكة ودقيقة، لجأ الحزب إلى إطلاق 320 صاروخ «كاتيوشا» تعود إلى الحقبة السوفياتية وعدد من الطائرات المسيرة، تم إسقاط معظمها بواسطة «القبة الحديدية»، بينما كانت إسرائيل تنفذ ضربات استباقية.

في خطاب متلفز بعد ساعات من تبادل النار، اعترف حسن نصرالله، الأمين العام للحزب، بأن إسرائيل فاجأتهم وأن قواته لم تستطع إطلاق سوى جزء صغير من الصواريخ التي كانوا قد أعدوها.

وقال إن قرار استخدام هذه الوسائل البدائية اتخذ لتجنب حرب شاملة.

ومع ذلك، فقد سبق وأكد نصرالله مراراً وتكراراً أن لديه أكثر من 100,000 مقاتل مدرب جاهزين لاقتحام «الجولان المحتل» والاستيلاء على المستوطنات الإسرائيلية، بالإضافة إلى ترسانة من الصواريخ القادرة على تدمير مدينة حيفا ومنشآتها العسكرية والصناعية.

وبينما قال نصرالله إن الصواريخ الـ320 أصابت عدة أهداف عسكرية عالية القيمة، بما في ذلك قاعدة جليلوت – وهي مركز استخباراتي مركزي يضم الوحدة 8200، وتقع على بعد 110 كيلومترات من الحدود اللبنانية وعلى بعد نحو كيلومتر واحد فقط من تل أبيب – كان الهدف الوحيد المؤكد الذي تم الإبلاغ عنه في وسائل الإعلام، هو نجاح “حزب الله” في ضرب مزرعة دواجن إسرائيلية.مشاهد دفعت الجمهور للسخرية من هذه الحادثة بشكل واسع، وهو أمر تزدريه المنظمة بتزمتها وطابعها الجاد.

بعيداً عن المزاح، لم تُظهر المناوشات المستمرة بين إسرائيل وإيران سوى التذكير بأن طهران ووكلاءها أثبتوا أنهم غير قادرين على الصمود.

للمفارقة، لا تزال إيران والحزب يراهنان على الديمقراطية الأميركية لتجاوز محنتهما الحالية، معتقدين أن الانتخابات الأميركية المقبلة ستسفر عن انتخاب كامالا هاريس، وأن الجمهور الإسرائيلي الغاضب سيطيح ببنيامين نتنياهو، ما سيحل مشاكلهما.

وحتى إذا تحققت هذه السيناريوهات، فلن تترجم بالضرورة إلى مكاسب فورية لإيران ووكلائها.

إسرائيل، تحت أي قيادة، لن تسمح لإيران بتطويقها أو باستخدام وكلائها وترسانتهم القديمة لتهديد أمنها – وهو أمر لن تتوانى أي إدارة أميركية مستقبلية، سواء كانت ديمقراطية أم جمهورية، عن معالجته.

كان خطاب نصرالله الأخير، هو موقف يطلقه من يوصف بـ”الواهم” بترسانة ربما لا وجود لها، إلى جانب شعور بالعظمة يعزز اعتقاده بعدم قابليته للخطأ هو وجماعته.والأهم من ذلك، يعكس وهمه بأن المبادئ المقدسة التي يدعي الدفاع عنها، تشاركها غالبية اللبنانيين، الذين أخذهم رهائن فعلياً.

اخترنا لك