بقلم بلال مهدي
يعيش لبنان حاليًا واحدة من أصعب المراحل في تاريخه الحديث، وسط حالة من الفوضى العامة. إنَّ انهيار النظام السياسي والمصرفي وسرقة أموال المودعين، زد على ذلك عملية التشارك السيادي الذي نجحت منظمة “حزب الله” ومحور إيران من خلفها في بناء منظومة حاكمة بحماية منظمة تديرها من بعد. ذلك كلّه أدَّى إلى تدهور كبير في مناحي الحياة كافّة، ممّا وضع البلاد في دوامة من الضياع والتراشق بالاتهامات بين مختلف الأطراف السياسية.
وفي ظل هذه الفوضى، استغلَّ “حزب الله” الفراغ الرئاسي ليعزِّز من سيطرته على مفاصل الحياة السياسية والأمنية، حتى باتت الدولة العميقة تحت سيطرته بالكامل، فاستثمر في الأزمة سياسيّا وديموغرافيًّا وحتى اقتصاديًّا واجتماعيًّا وعسكريًّا لترسيخ نفوذه بشكل أعمق، مما زاد من تعقيد الأوضاع ورفع من معاناة اللبنانيين.
وسط توترات أمنية متصاعدة في المنطقة، وخاصة مع توسع الحرب من غزة نحو الضفة الغربية، يواجه لبنان حالة من الجمود السياسي تهدد استقراره وأمنه. وذلك نتيجة لنهج الديمقراطية التعطيلية الذي فرضه محور إيران عبر منظومته ومنظمته الحاكمتَين.
بينما تنتظر القوى السياسية في البلاد، سواء أكانت سيادية أو موالية للمحور “الفارسي”، تدخل المجتمع الدولي الذي لطالما اعتمدت على رعايته، فيما تبدو هذه الأطراف غير قادرة على إتخاذ قرارات مستقلة تعكس مصلحة لبنان العليا، مما يزيد من تفاقم الأزمة، ويهدد بمزيد من التدهور.
قام مجلس الأمن الدولي بتجديد تفويض قوات “اليونيفيل” العاملة جنوب الليطاني لعام إضافي، معبِّرًا عن تقديره لدورها في منع التصعيد العسكري على الحدود اللبنانية. ومع ذلك، تُثار تساؤلات حول فعالية هذه القوات في ظل الجبهة المشتعلة جنوبًا.
الدبلوماسي الأميركي الدكتور وليد فارس، من بين المعترضين على هذا التوصيف، يشير إلى أن “اليونيفيل” لم تلعب دورًا حقيقيًا في الحد من النزاع بين “حزب الله” و “إسرائيل”، منتقدًا غياب التركيز على القرار “1559” الذي يدعو إلى نزع سلاح الميليشيات، بما في ذلك “حزب الله”.
ويؤكد فارس في حديث خاص لـ”بوابة بيروت” أن الجلسة الأممية لم تتناول القضايا الجوهرية التي تهم لبنان، منتقدًا غياب الصوت اللبناني المعارض على صعيد المحافل الدولية. ويطالب بضرورة وجود وفد لبناني “على قدر المسؤولية” ليطالب بتطبيق القرارات الأممية بشكل كامل، معبِّرًا عن الحاجة إلى معارضة سيادية تعبِّر عن صوت الشعب اللبناني الرافض للهيمنة “الخمينية”.
تسلط الأزمة الحالية الضوء على ضعف القوى السيادية اللبنانية في مواجهة النفوذ الإيراني المتزايد. الدكتور وليد فارس ينتقد ما يراه “كسلًا” من المعارضين الذين يكتفون بالتصريحات دون إتخاذ إجراءات فعالة على الأرض. ويشير إلى تكوين ميليشيات جديدة في المناطق السنية مثل صيدا والبقاع الغربي، كمثال على توسع النفوذ الإيراني.
هذا “الكسل” الفاضح، دفع الدكتور فارس إلى استلهام تجربة الرئيس الراحل بشير الجميل، الذي لم ينتظر التدخلات الدولية، بل بادر بتقديم رؤيته الخاصة بوضوح وقوة لواشنطن في وقت لم تكن صديقة له. ولكنها غيرت مسارها، ولكن اليوم، لا حياة لمن تنادي.
لبنان اليوم بحاجة إلى مثل هذا النهج “البشيريّ” الجريء. على القوى السيادية اللبنانية إتخاذ خطوات مستقلة وجريئة، بعيدًا من الإعتماد على الخارج، لصياغة إستراتيجية وطنية تتماشى مع تطلعات الشعب اللبناني.