كتب داود رمال
بدا في الأيام القليلة الماضية وكأن لبنان الرسمي بدأ التفكير باليوم التالي لوضع الحرب أوزارها، وبدأ يرفع الصوت متسائلا: من يعيد إعمار الجنوب؟ من يعاضد بلدا منهكا بكل مؤسساته وقطاعاته؟
سؤال مؤرق أخذ وزير الاقتصاد أمين سلام على عاتقه طرحه في إطلالاته الإعلامية، إذ قال ما مفاده وبما يشبه المناشدة للمجتمع الدولي إن «لبنان متعب واقتصاده في وضع صعب وخطير جدا، وهو سيكون في مهب الريح وفي حالة غاية في الخطورة إن لم يجد تكاتفا من المجتمع الدولي الذي يجب أن يقدم الالتزام الكامل من دون استجداء من لبنان»، مضيفا أن «هذه المرة المسؤولية تقع كاملة على المجتمع الدولي الذي يعود إليه تنظيم مؤتمر كبير لتحمل مسؤولياته الإنسانية والاقتصادية تجاه لبنان، لاسيما أن الخسائر المباشرة وغير المباشرة هي بالمليارات».
النائب عن كتلة التنمية والتحرير النيابية (يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري) د.قاسم هاشم ابن بلدة شبعا في الجنوب، قال في حديث إلى «الأنباء» عن الجهة أو الجهات التي يعود لها الإسهام في إعادة إعمار الجنوب: «الحكومة اللبنانية في المبدأ مسؤولة في الدرجة الأولى شئنا أم أبينا. ومن تعرض لعدوان إسرائيلي واعتداء مباشر لجعل المنطقة منزوعة الحياة وفارغة من بشر وحجر هم لبنانيون تشبثوا بأرضهم لإفشال مخططات العدو».
وأشار إلى «تقدير ظروف الحكومة لناحية الإمكانات المالية، لكن في الوقت عينه عليها أن تبذل الجهد».
وأشار هاشم إلى «تلبية رئيس الحكومة (حكومة تصريف الأعمال) نجيب ميقاتي بعض متطلبات مجلس الجنوب والمؤسسات الصحية أقله بالحدود الدنيا، وتكراره أكثر من مرة أنه سيبذل جهودا ويقوم بكل الاتصالات مع المعنيين سواء مع الأشقاء العرب أو على مستوى المجتمع الدولي والمنظمات الدولية لتعويض الخسائر».
وردا على سؤال عن اختلاف حرب 2006 التي لقي في أعقابها لبنان الدعم العربي الكامل لإعادة الإعمار عن الحرب الحالية، لاسيما في ظل الموقف العربي الذي اختلف تجاه لبنان، قال النائب هاشم: «علينا الانتظار وعدم البدء بالتحليل. وفي كل الأحوال الأشقاء العرب لم يتركوا لبنان في أدق الظروف وكانوا دوما إلى جانبه، لذا علينا ألا نستبق الأشياء وأن نترك الأمور لتوقيتها المناسب، ولنا دائما وأبدا كامل الثقة بالأشقاء العرب».
وعن رأيه بقول الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله إن الحزب سيبدأ بعد وقت قليل على انتهاء الحرب عملية إعادة إعمار الجنوب، رأى هاشم أن «الحزب قد يكون أجرى ما عليه من اتصالات، وقد أكد على تحمل المسؤولية في هذا الصدد، لكن الأمر يتطلب هدوءا لتبدأ لجان المسح الميداني عملها من أجل تقدير الخسائر النهائية وحجمها وماهيتها».
ولفت إلى أن «خطة الحزب بعناوينها العريضة وإستراتيجيتها قد تكون جاهزة أو في طور الجهوزية، لكن الأمر يحتاج إلى تعاط ميداني مباشر، والميدان مختلف».
الخبير والباحث الاقتصادي زياد ناصر الدين تحدث بدوره لـ «الأنباء»، فقال إنه «في أعقاب الحروب الإسرائيلية السابقة على لبنان، كانت هناك مؤسسات في الدولة اللبنانية وبقدر إمكاناتها وحتى الجهات في المقاومة، تقوم بدورها بشكل مباشر. واليوم أيضا ستحاول الدولة ضمن إمكاناتها، القيام بدورها».
وبحسب ناصر الدين، «فإن ثمة استحالة لتقديم إحصاء دقيق ورسمي للأضرار طالما العدوان الإسرائيلي لم ينته، لأن الأرقام تتغير بحكم استمرار المعركة».
لكنه لفت إلى «جزء من هذا الإحصاء تم في المنطقة وجزء أساسي يعمل عليه الثنائي الوطني (ثنائي حزب الله وحركة أمل) لحصر الأضرار».
وأضاف ناصر الدين: «من يدافع عن لبنان من العدوان الإسرائيلي قال كلاما واضحا عن البدء بإعادة الإعمار لدى انتهاء الحرب. وقام حتى اليوم بجردة كبيرة جدا وهو يحضر نفسه لإعادة الإعمار. ثمة خطة حاضرة، لكن بعض الأمور ستتغير بحكم استمرار العدوان.. الأكيد أن البعد السياسي سيلعب دورا، وهناك الكثير من الدول الصديقة للبنان بعثت برسائل إيجابية بأنها لن تتخلى عن لبنان كما لم تتخل عنه في عملية إعادة الإعمار بعد حرب 2006».
وأكد زياد ناصر الدين أن «هذه العملية ستساعد في إعادة النمو وإرساء واقع أفضل، لاسيما أنه يحق للبنان فرض شروطه الاقتصادية عند انتهاء العدوان، وهي شروط في بلد صغير مثل لبنان تلعب دورا إيجابيا ومهما جدا في إعادة النمو وفك الحصار عن ملفات كثيرة تتعلق بالنفط والغاز والكهرباء وإعادة إعمار مرفأي بيروت وطرابلس وإنشاء مدن صناعية ووضع خطة اقتصادية متكاملة».
ويجمع المراقبون والخبراء على أن واقع لبنان الاقتصادي كان في الأساس صعبا جدا قبل أن تبدأ الحرب، وأن خسائره الاقتصادية بعد العدوان الإسرائيلي كبيرة، مع التأكيد على أن السياسة لها ارتباطها الوثيق بالاقتصاد، وهذا يعني أن عملية إعادة بناء ما تهدم ستكون جزءا من تسوية شاملة ينتظر الجنوبيون الصامدون أن يكونوا شهودا عليها في أقرب وقت.