كتب سعيد غريّب
@said_ghorayeb
“اجت الدولة”. “راحت الدولة”. عبارتان على كل شفة ولسان، وتعنيان بالخلفيّة التوق الى الدولة ومفهوم الدولة وقوة الدولة. عبارتان تجسّدان واقعا اليما وترتبطان بعودة التيار الكهربائي الى المنازل والمؤسسات لاربع ساعات وانقطاعها لعشرين ساعة.
لا نقول “اجت الكهربا” بل “اجت الدولة وراحت الدولة”، ليحلّمحلّها “اجا الاشتراك”، هذا الوحش الآلي الذي يجفّف جيوب الناس، ويملأ بطون وحوش بشرية، هم اصحاب المولدات من سياسيين ومقتدرين ومانعي المواطنين من أبسط حقوقهم.
هؤلاء الاستغلاليون ادخلوا الى حياتنا اليومية ايضا “ثقافة” أخرى هي “ثقافة السيترن”، بعدما حرموا الناس من حقّها بالمياه، هذه النعمة التي انحصرت هي الأخرى في جيوبهم وبطونهم. تراهم قد أطلقوا على طرقاتنا “أساطيل من السيترنات”، تختال في شوارعنا في عرض قوة وغرور. وقد طبع على ظهرها وجوانبهاكتابات باللغة الانكليزية. وكأنّها ويسكي أو كونياك معتّقة. ومن عيناتها Water distribution since 1970.
تعكس هذه الصور من حياتنا اليومية واقعا سياسيا ووطنيا مؤلما يترجم انكماش دور الدولة وتراجع سلطتها الداعمة لتأمين حماية المواطنين ورعاية ابسط حقوقهم وشؤونهم. فما هذا الاجرام بحقّمواطن لم يعد لديه سوى الرضوخ لاي مسار بعيد عن الدولة وفكرة الدولة وملح الدولة ونعمة الدولة !
انّ المطالبة بالدولة أصبحت في #لبنان تهمة فيما الناس توّاقة الى حدّ أدنى من غد أفضل، تحاول لملمة الخراب في كل مرّة، ولكنّ الاحباط يبقى سيّد الموقف اذ يعيدها الى الحياة المملّة القهّارة. والواقع ان الازمات الكبيرة التي يتخبّط فيها لبنان، بانفجارها ثم بمضاعفاتها ثم بما أظهرته من واقع الادارة المتراجع الى اقصى الحدود، هي التي أدّت الى طرح عشرات الاسئلة، ومعظمها طرحها اللبنانيون أنفسهم وفي طليعتهم الحاكمون أنفسهم والاداريون أنفسهم والاقتصاديون أنفسهم.
ويبقى في طليعة الاسئلة هل الدولة هي دولة؟ وهل القوانين اللبنانية قوانين؟ وتدريجا وجد المواطنون أنفسهم أمام احراج حقيقي، فعلى الأجوبة يتوقف مصير وطنهم، لا بالنسبة لتعلّقهم به واستعدادهم للدفاع عنه – هذا اذا بقي لديهم شيء من النخوة والحماس – بل بالنسبة لمصير الوطن كدولة عليها أن تثبت أهليّتها للبقاء، ليستمرّ العالم في التعامل معها وفي معاملتها على هذا الأساس. وليست فضائح الكهرباء المستمرّة منذ عقود سوى البداية في هذا الاستحقاق.
ان لبنان الدولة ليس لبنان الفندق والكازينو وحسب ولا هو الاستهلاك وتسويق الخدمات بأيّ ثمن، وليس لبنان المقموع والمقهور والمقصوص الجناحين، بل لبنان الخلق والابداع والتفوّق، ولبنان القهّار بالكلمة الحرّة والرزينة. واذا تبيّن أنّ ما فعلته الحروب بنا وما جرّتنا اليه من خراب وبؤس وانحلال على كلّ صعيد لم يكن سوى مرحلة عابرة، فعلى لبنان السلام، وعلى شعبه الكارثة الكبرى.