كتبت سلوى بعلبكي
يستمر “الكرّ والفرّ” بين الحكومة من جهة، وموظفي القطاع العام ومتقاعديه من جهة أخرى، فيما أتى مشروع موازنة 2025، ليفجر غضب الموظفين والمتقاعدين. فهؤلاء الذين صدقوا وعود الحكومة العام الماضي، إبان مناقشة موازنة 2024 وبعدها، انتظروا إنصافاً وزيادات على رواتبهم، تقيهم العوز والفقر وذلّ السؤال، لتأتي الموازنة العتيدة مخيّبة لآمالهم، وخالية من أي اعتمادات مخصصة لذلك.
المأزق مزدوج، فمن جهة تتباكى الدولة و”تكسر إيدها” على ضيق الحال المالي، مبررة تعاميها عن الزيادات، بضمور الجبايات وعائدات الخزينة. ومن جهة أخرى تطالب الموظفين بزيادة الإنتاجية، وإعادة تسيير عجلة الدولة، وترمي على كاهل القوى الأمنية جميع مهام حفظ الأمن، وضبط الحدود والتهريب، وحتى “إدارة النافعة”.
في المقابل، يأسف موظفو الدولة والمتقاعدون، الذين بادروا إلى كبح تحركاتهم سابقاً، وخرجوا من الشارع شعوراً منهم بالمسؤولية الوطنية والأخلاقية، تجاه ما يجري عند الحدود الجنوبية، مفضّلين الالتزام المناقبي في انتظار جواب الدولة على مطالبهم، وتنفيذ ما وعدت به.
بيد أن الحكومة وفق مصادرهم، “فسرت الانكفاء ضعفاً، وهدوء الشارع خوفاً، فانقلبت على وعودها. وها هي تحاول مرة أخرى تسويف المطالب والعطاءات، وتمرير موازنة مليئة بالرسوم والضرائب المضاعفة، وتتناسى منح موظفيها وعسكرييها والمتقاعدين، الحد الأدنى من حقوقهم، التي ارتضوا اختزالها حتى 40% فقط من رواتبهم قبل الأزمة، على أن تصدر بموجب قانون عن مجلس النواب”. ولكن، حتى هذا المطلب لم تتم الموافقة عليه على الرغم من المطالعة القانونية التي أعدها المتقاعدون، واطلع عليها المعنيون، وفق ما يقول العميد المتقاعد جورج نادر لـ”النهار”.
حاولت الحكومة سابقاً “رشوة” الموظفين والعسكريين والمتقاعدين، بإعطائهم 4 رواتب إضافية، وضعت في الموازنة تحت بند “تعويضات إضافية” ويجري الحديث عن رفعها إلى 5، بيد أن ذلك يبقى دون المطلوب بكثير، ولا يفي بجزء يسير من المطالب.
وعلى الدولة وفق المعترضين، الذهاب إلى حلول جذرية، والالتزام بوعودها، تجاه شريحة من المواطنين تقدر بنحو 400 ألف موظف ومتقاعد، بعضهم ممن أفنى عمره في خدمة الدولة، وقدم الجهد والدماء للدفاع عنها، فيما يعمل من لا يزال منهم في الخدمة، في ظروف إنسانية واقتصادية مذلة.
قد تكون الإيرادات الإجمالية المتوقعة في موازنة 2025 بنحو 4 مليارات دولار، لا تسمح للحكومة بترف الإنفاق. لكن التغاضي ودفن الرمال بالرؤوس، عن لقمة عيش وحقوق ربع عائلات لبنان، يهدد بتفلت الأمور ووقوع المحظور الاجتماعي والأمني، من حيث لم تشأ أو تدرِ الحكومة، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى المزيد من التماسك والتضامن الشعبي والاجتماعي، لتمرير تداعيات ما يجري في الإقليم، وتأثيره المباشر على لبنان، بأقل “استهتار” ممكن.
أمام هذا الواقع، وجه نادر نداءً الى العسكريين المتقاعدين وعائلاتهم وعائلات العسكريين في الخدمة الفعلية وكل موظفي القطاع العام، دعا فيه الى التحرك بدءاً من الثلثاء لمنع عقد جلسة مجلس الوزراء المخصصة لدرس مشروع موازنة 2025.
وهدد نادر بأنهم “لن يسمحوا لمجلس الوزراء بعقد جلسته اليوم، وسيتحركون منذ الصباح الباكر لقطع الطرق كافة، بالإضافة الى تحركات في كل المناطق اللبنانية يمكن أن تشل البلاد”. وتوقع أن يشارك في التحرك آلاف المتقاعدين مع عائلاتهم من المدنيين.
وأكد أن المعنيين وعدوا المتقاعدين بأن يصار الى معالجة المشكلة في حزيران الماضي، ولكن لم يفوا بوعودهم، ولا نزال حتى اليوم نتقاضى 14% من رواتبنا قبل الأزمة.
مصادر متابعة تؤكد لـ”النهار” أن ما تم الاتفاق عليه سابقاً هو إعطاء 4 رواتب للموظفين والعسكريين والمتقاعدين كافة، ووُضعت في الموازنة في بند تعويضات إضافية. وإذ تقر المصادر بأن الرواتب قليلة وهي بعيدة عن المطالب، توضح أنه يمكن أن يزيدوا الرواتب الى 5 إضافية كحد أقصى. أما تخطي ذلك فيصبح خطراً على الاستقرار النقدي، عدا عن أن إيرادات الموازنة المتوقعة تقدر بنحو 4 مليارات دولار لا يمكن دفعها كلها للرواتب والأجور.
وأشارت المصادر الى “الخطة التي كان قد أعدها مجلس الخدمة المدنية بالتنسيق مع المعنيين في الإدارات لتعديل الرواتب والأجور التي تلحظ تصحيحاً للرواتب والأجور على مراحل تصل الى أربع سنوات. وقد تضمنت الخطة إصلاحات عدة، ولا سيما إصلاح نظام التقاعد وتعويضات نهاية الخدمة، ورفع سن التقاعد، وغيرها”.
ولكن تطبيق الخطة كان ينتظر قانوناً يصدر عن مجلس النواب بعد اقتراحه من الحكومة. ووفق الخطة، يُمنح موظفو القطاع العام كافة، نحو 20 ضعف رواتبهم في 2019 كمرحلة أولى، على أن ترتفع بمعدل 8 رواتب سنوياً لتصل الى 46 ضعف راتب 2019 بعد 4 سنوات. وكان يُفترض أن يبدأ تنفيذ الخطة بدءاً من 1/1/2026 حيث من المتوقع أن تسمح إيرادات الدولة بإدخال كل التعويضات مع إضافات على الرواتب لتصبح ضمن الراتب.
الى ذلك، أصدر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بياناً استغرب فيه “الدعوة الى التصعيد في وقت لم تبدأ فيه بعد مناقشة بنود الموازنة ومن ضمنها حقوق العاملين في القطاع العام، مدنيين وعسكريين حاليين ومتقاعدين، علماً بأن الحكومة في صدد اتخاذ إجراءات موقتة تقضي بإعطاء العاملين في القطاع العام مساعدة اجتماعية، الى حين إقرار الموازنة في مجلس النواب، وهذا الإجراء سبق أن اعتمدته وطُبّق على العسكريين في الخدمة وعلى المتقاعدين أيضاً.
وطلب ميقاتي من الجيش والقوى الأمنية اتخاذ الإجراءات المناسبة التي تتوافق مع حسن سير الانتظام العام وتحترم في الوقت نفسه حرية التعبير والاعتراض بالوسائل الديموقراطية.
الى ذلك، نُمي الى المتقاعدين أن جلسة مجلس الوزراء قد تنعقد مساءً، بيد أن نادر أكد لـ”النهار” أنه “حتى لو انعقدت الجلسة عند الساعة الثانية بعد منتصف الليل، فإن المتقاعدين سيبقون في الشارع لمنع انعقادها”.
ويُذكر أن العسكريين المتقاعدين أعلنوا قطع هذه الطرقات غداً:
– مدخل الأسكوا بيروت
– المداخل من ساحة رياض الصلح نحو السرايا وساحة النجمة(٦ مداخل)
– ممرات المشاة من ساحة الشهداء
– مداخل ساحة النجمة من شارع ويغان (٥ مداخل)
– مدخل شارع عبد الحميد كرامي
– مدخل شارع فرنسا نحو مجلس الإنماء والإعمار
– مدخل قرب بنك عودة
– مدخل بيت الوسط
– مدخل شارع وادي أبو جميل قرب كنيسة مار الياس
– مدخل زقاق مروة
– مدخل الطريق المتفرع من اوتوستراد فؤاد شهاب نحو زقاق البلاط
– مدخل السرايا من جهة زقاق البلاط
– مدخل السفارة البريطانية
– مدخل السفارة الأسترالية