بقلم عقل العويط
إملأوه بمائه. بجنونه. من فرط الوهم، والمرايا، يروح يعتقد أنّه البدء ولا بدء قبله، وأنّ الأرض له، ومَن عليها، وخلاءها، وفضاءها، وسرّها الأعظم. ولا تتّسع. وثمّة حاجةٌ إلى الخيال إلى الجموح إلى الذكاء الاصطناعيّ، إلى ما هو أكثر، وأبعد، وأعمق، وثمّة حاجةٌ مضافةٌ إلى الشبع، إلى الجوع، إلى العطش، لكي لا يشبع من جوع، ولا يرتوي من عطش.
إملأوه بمائه. بجنونه. من فرط الوهم، والمرايا، يروح يعتقد أنّه الانتهاء.
أريد الكلّ، يقول. والنعيم والجحيم. والجهنّمات السبع والتسع. والسموات. والطبقات. والمراتب. والفصول. وما وراءها. وما قبلها. وما بعدها. وما ليس يُحسَب بهيولى أو بعمر. ولا بمكانٍ أو بالزمان.
لا تُحبِطوه. لا تُزعِّلوه. لا تُخربِطوا إيقاعه. لا تُنبِّهوه. لا تُحذِّروه. لن يرى. لن يأبه. لن ينفع. لن ينفع.
غرِّقوه، ليستغرق. إذا انتبه، وعى. إذا انتبه، فات. فليعِ، آنذاك. وبعدذاك. فآنذاك، كالعريس، كالعروس، كالعجل، يكون ينتهي بنفسه في نفسه. وآنذاك، وبعدذاك، لا بدّ من حبرٍ ومن وقتٍ للحبر. فلا تستعجِلوه. لن يطلب استعجالًا. لن يطلب. موصولًا يظنّ بالأبد بالأزل. ومستتبًّا. وأكثر من الوقت. وأكثر من المكان. وخارج الوقت. وخارج المكان.
مسِّدوا طاووسه. ربِّتوه. غنّوا له بالصوت الخفيض بالصوت الجهير. واقرعوا الأجراس واضربوا الصنوج. واعزفوا لحن الخلود ليظنّ. متى ظنّ، هام وتاه. فاتركوه آنذاك يفتّل شاربيه. واجعلوه ينفض ريشه. وينتفش. ويمعن. ويسترخي. ويتواهن. ولينم على ظهره، وليرفع ساقيه إلى العلاء. وليُجَنّ بأناه. وفي الانتظار، شرِّبوه، إذا اكتفى – ولن – شرِّبوه سمّ أناه، دواء النرجس، تثليث الرحيق النقيّ، تقطير الامتلاء بالذات، ليمتلئ، ليتخثّر بثقل الدم، لينسطح بخلوّ العقل، ليتكربج بجلطة الوعي، فيدودخ آنذاك، ويدوخ، ويسكر، ويطرب، وينطرب، ويدمن.
ثمّ ترِّفوه. وطيِّبوه. وانفشوه. وصنِّفوا فردوس ألوانه. وادهنوه. ورشّوه بالعطور. ومرِّغوه بالطيب. برغوة الطيب. وهدهِدوه. وكافئوه. وقدِّسوه.
إلى أنْ يدخل في “الدور”. متى دخل، طاب له الدخول. فطيِّبوه أكثر، واجعلوه يدخل أعمق وأكثر. وأولِموا له. وغضّوا من أجله. ودعوه “يمثّل”. فآنذاك يتجسّد. ويتقمّص. ويجب آنذاك أنْ لا يرجع. يجب أنْ لا يرجع. فلا تفسدوا الحالة. لا تكسروا بلّور المزاج وزجاج الشخص.
فهناك وآنذاك وبعدذاك يلتقي بتمام وجوده. في العدم تمامُ وجوده. والوجود.
أيلول يهيم بأيلول
إذا كنتِ متهوّرة، تعالَي. إذا كنتِ عاقلة، تعالَي. بل عالقة، تردّ. إذن تعالَي، يقول.
ثمّ تهمّ بأنْ تكتب. ثمّ تكاد. ثمّ قليلًا. ثمّ لا يعرف لا يعرف.
الخريف ما أطيب الخريف. سيذعن. سيحتجّ بالنسيم بالصفصاف الذي يستحي. بالقميص يأخذ شكل الجسم مبلّلًا. بالجسم يأخذ إيقاع القميص مدوزنًا. بالعنب زبيبًا. بالتين. وبالثعلب الولهان عندما الدغشة تفوح.
ثمّ بالوهم يخاطب ملائكتكِ، فتأخذينه لا إلى كنيسة وجوقة، إنّما إلى حيث تترنّم قدماكِ حافيتَين، ويتزعرن الحجر بملمس العشب بالتراب. يقول في ذات نفسه إنّها أرض. والأرض، مَن هو ليرث الأرض. فلا تتمرجلنّ يا قلبه. وإذا تمرجلتَ فلن تكون قدّها. ذنبكَ سيكون على جنبكَ. عقصة الدبّور ستأكل نياطكَ والشوك سيدميكَ.
لا يكتفي، لكنْ يكتم حقّ الردّ، فيحجم ويرعوي.
ثمّ يحتكم موقّتًا إلى الحنكة. إلى الجولة الثانية. أنتِ تذهبين إلى حَجَركِ، وهو يدلف إلى غيمته.
القميص عالقٌ ومرتبك. وأنتِ لا عاقلة لا متهوّرة.
ثمّ قريبًا ينزل الخريف فينزل القميص.
من فرط ذَهَبه، يكاد من الآن يسيل. ويكاد هو، يا لغيرته، يسيل.