كتب هشام بوناصيف
@Hbounassif
البيان الصادر عن حزبالا بخصوص مقتل “الجهادي الكبير” ابراهيم عقيل حافل بتعابير من نوع “كانت القدس دائما بعقله وقلبه”، “كانت الصلاة في مسجدها حلمه الأكبر”، “نعزيّ ونبارك لسماحة القائد الخامنئي”، “نسأل اللّه أن يلحقه بقافلة شهداء كربلاء”، الخ.
النبذة التي وزّعها حزبالا عن عقيل لا تقول شيئا مختلفا لجهة وضعه بخانة ال”شهداء على طريق القدس”، واعتباره “من مؤسّسي العمل الاسلامي في بيروت”، وهو الذي خطّط قيادة العمليّات العسكريّة “على جبهة الاسناد اللبنانيّة”.
المثير للاهتمام هنا أنّ التبرير الايديولوجي لنضال ابراهيم عقيل لا علاقة له من قريب أو من بعيد بالوطنيّة اللبنانيّة. وعندما يحضر “لبنان” أو تحضر “بيروت” ببيان حزبالا، فكمان جغرافي ليس أكثر. كانت الميليشيات المسيحيّة بالحرب ترفع شعار “مات ليحيا لبنان” على نعوش شهدائها.
حتّى ميليشيات المقلب الآخر كان فيها اشارة لنوع من وطنيّة لبنانيّة “عربيّة” تتمّ التضحية باسمها. مع حزبالا، لا مراعاة لمظاهر من هذا النوع، ولو من باب رفع العتب : النضال باسم الاسلام، ومن أجله، وكفى. ليس صدفة، تاليا، أنّ من يراقب فيديوهات مواكب الموتسيكات التي سارت في الضاحية باليومين الأخيرين، وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، لن يرى عليها علما لبنانيّا واحدا.
المفارقة هنا هي هذه: بينما يؤكّد حزبالا بأسطع طريقة ممكنة لامبالاته بالوطنيّة اللبنانيّة، بل استحالة تلاقيه معها ايديولوجيّا، يطلّ علينا جبران باسيل، وسليمان فرنجيّة، وامتداداتهما بالسياسة والاعلام، ليطلبا منّا التضامن مع الحزب باسم ذات الوطنيّة التي يشهر خمينيّو لبنان احتقارهم لها اليوم أكثر من أيّ وقت مضى. بأيّ منطق؟
حزبالا منظّمة أصوليّة اسلاميّة. يعني هذا، من ضمن ما يعنيه، أمورا من نوع استحالة اعتراف الحزب بالحدود الوطنيّة “باعتبارها صنيعة الاستعمار الذي قسّم الأمّة”، ورفضه لفكرة المواطنة “لأنّها تقوم على المساواة بين المسلمين والنصارى، وهذه هرطقة دينيّة”، ورفضه طبعا لحقّ اللبنانيّين بالقرار الوطني المستقلّ “لأنّ المرجع هو الوليّ الفقيه، لا شعب لبنان”.
فاذا أضفنا الى كلّ ما سبق استسهال حزبالا جرّ لبنان لحرب مدمّرة، وهو المثخن بالجراح أصلا، يصبح استعمال الوطنيّة اللبنانيّة كخلفيّة دعوة تضامن مع نقيضها مزاحا سمجا يحرّكه طموح رئاسي مفضوح، ليس أكثر.
ولا يستبطن أيّ ما سبق دعوة للشماتة، أو تأجيج مشاعر الانتقام. لا نريد هذه، ولا هذا. ولكنّ الأوان آن للزعامات المارونيّة الناهدة الى العلى كي تتوقّف عن احتقار عقول الناس. كما آن الأوان للناس أن تتوقّف عن السماح للزعامات ايّاها باحتقار عقولها.