بقلم بلال مهدي
في أوقات الحرب والأزمات، كثيراً ما تتصاعد حدة الخطابات التحريضية تجاه الفئات الضعيفة والمستضعفة، مثل النازحين، ولكن علينا أن نسأل أنفسنا، كيف يمكن أن تسهم هذه المنشورات المحرضة في تحقيق مشروع بناء دولة المؤسسات ؟ إن مشروعنا البديل، مشروع الدولة القادرة والعادلة، لا يمكن أن يكتمل إلا بتكاتف الجميع، بعيدًا عن التفرقة والخلافات المصطنعة.
في ظل هذا العدوان الصهيوني، يجب علينا ألا نفقد إنسانيتنا. الإنسانية هي الركيزة التي نرتكز عليها في كل مساعينا لبناء دولة قوية ومستقرة. إن من يفر اليوم من جحيم المعارك في الجنوب والبقاع، ومن يُستهدف ويُقتل على امتداد التراب اللبناني، هم ليسوا أعداءنا أو منافسينا. بل هم شركاؤنا في بناء الدولة، الدولة التي نحلم جميعًا بتحقيقها، الدولة التي تقوم على العدل والمساواة والإنصاف.
لا يمكننا أن نبني دولة المؤسسات إذا سمحنا لأنفسنا بالانجرار وراء التحريض والتفرقة. إن النسيج الوطني الذي يجمع بين مختلف فئات الشعب اللبناني هو السد المنيع في مواجهة السياسات الطائفية والفساد. أولئك الذين يهربون من القصف والتدمير اليوم، قد يكونون هم المدماك الأساسي في بناء مستقبل أكثر إشراقًا للبنان. التحريض على النازحين هو خيانة لفكرة الوحدة الوطنية، وتجاهل لدورهم المستقبلي في إعادة بناء الوطن.
نحن في المعارضة، ندرك جيداً أن “الثنائي الشيعي” قد حاول إقصاءنا، واستُبيحت دماؤنا، ولكننا نعلم أن من يعاني اليوم بسبب الحرب، سواء كانوا من الجنوب أو البقاع أو أي منطقة أخرى في لبنان، هم أيضًا ضحايا لسياسات “الوصاية الفارسية” التي تحاول الاستيلاء على مؤسسات الدولة وتوجيهها لخدمة مصالحها.
الوصاية الإيرانية ومحور الغدر الذي تدعمه، لم يجلبا سوى الفساد والتدمير لهذا البلد. الشعب اللبناني، بما فيه الذين نزحوا اليوم بسبب هذه الحرب، تعب من استغلال الفاسدين لمقدرات الدولة باسم المقاومة أو الطائفة. هؤلاء الناس الذين عانوا من ويلات الحرب والقمع، هم الأمل الحقيقي في بناء الدولة، دولة تكسر قبضة من يسعون إلى فرض هيمنتهم الخارجية على الداخل اللبناني.
إننا اليوم نقف على مفترق طرق تاريخي. إما أن نتجه نحو التفرقة والفتنة التي يعشقها محور الفساد والتبعية، أو أن نختار طريق الوحدة الوطنية. النازحون، سواء من الجنوب أو من أي منطقة أخرى، هم شركاؤنا الطبيعيون في هذا المسار. فهم من اكتووا بنار الحرب، وهم من يدركون حجم المعاناة التي تسببها السياسات الخارجية التي تتلاعب بمصير لبنان.
هذه الحرب هي الفاصل الذي سيحدد مستقبلنا. لا يمكننا أن نسمح لأصوات التحريض والتفرقة بأن تهيمن على خطابنا الوطني. النازحون ليسوا أعداء، بل هم جزء من هذا الشعب، وعلينا أن نحتضنهم وندعمهم في هذا الوقت العصيب. لأنهم، في نهاية المطاف،. سيكونون جزءًا لا يتجزأ من بناء الدولة التي نسعى إليها، دولة تحتضن الجميع، بلا استثناء أو تمييز.
وفي خضم كل هذا الألم والمعاناة، لا يمكننا إلا أن نرفع أيدينا بالدعاء لأهلنا في جنوب لبنان، أولئك الذين يعيشون تحت تهديد الحرب والنزوح. لقد استودعناهم الله، ونسأل الله أن يحميهم ويعيدهم إلى بيوتهم سالمين. إن قلوبنا معهم، وسنظل نعمل جاهدين على أن نبني لهم دولة تليق بتضحياتهم، دولة تحفظ كرامتهم وتؤمن لهم مستقبلاً أفضل.
في النهاية، علينا أن نتذكر أن الإنسانية والتكاتف هما الطريق الوحيد لبناء دولة المؤسسات. التحريض والتفرقة لن يجلبا لنا سوى المزيد من الدمار والتشرذم. لبنان يحتاج اليوم إلى وحدة وطنية حقيقية، تكون الأساس في مواجهة أعدائه، سواء كانوا من الداخل أو الخارج. علينا أن نعمل معًا من أجل مستقبل مشرق، مستقبل يكون فيه لكل مواطن دور في بناء دولة العدل والقانون، ودحر أصحاب الوصاية الفارسية من مراكز السلطة، وفتح الطريق أمام مستقبل أفضل لكل اللبنانيين.