بقلم عقل العويط
كتب أحمد بيضون ما يأتي على موقعه، تحت عنوان “لم يبقَ لنا الّا نحن”، وأراني أستعيده ليؤخَذ حكمةً نحتاج إليها في ليلنا البهيم هذا، فـ”نرى” جيّدًا ما قد يغفل ويتغافل كثرٌ عن “رؤياه” و”رؤيته” بتمامه: “نرغبُ في الصراخِ ومَنْ قد يتوجَّهُ إليهم صراخُنا لا آذانَ لهم. ليس في يدنا شيءٌ ولن يعطينا أحدٌ شيئاً. لم يبقَ لنا الآنَ إلّا نحنُ: ومن استطاعَ منّا أن يداري شيئاً من وقْعِ المُصابِ على المصابينَ سيفعل.
وأمّا الكلماتُ فعُلِّقتْ معانيها إلى أجَلٍ لا نعْلَمُهُ: منها ما قد نستردّهُ بمعنىً جديدٍ ومنها ما سيلبثُ تائهاً عن كلِّ معنىً فيتعيّنُ الإعراضُ عنه ومنها ما سيكونُ علينا ابتكارُ معنىً له أو ابتكارُهُ لمعنىً يلوحُ في الأفق.
… مع ذلكَ لا بأسَ علينا من الصراخِ في هذا الفراغِ المَهول!”.
اقرأوا جيّدًا: “لم يبقَ لنا إلّا نحن”. وأعتقد أنّه لم يكن لنا، في الأساس، إلّا نحن، وكان ينبغي للعاملين جميعهم أنْ يعملوا بوحيٍ من ذلك. لكنّ ما فات قد فات. والحال هذه، والوقت هو هذا، فليقم العقل الواجب الوجود بواجبه، وليرفع حكمة “لم يبقَ لنا إلّا نحن”، سراجًا في مسرى الحلكة المدلهّمة.
جميعنا في حاجةٍ إليها، هذه الحكمة، وليس فوق أحدٍ منّا خيمةٌ (ولا سماءٌ) تدرأ عنه المجزرة العظمى غير المسبوقة، التي قد تستمرّ ضاريةً في “الأيّام المقبلة”، وفي التي تليها، ولن يدرأ أحدٌ عنّا حجار اللعنة، وألسنتها، وأبابيلها، وهذه كلّها لم تكفّ يومًا، ولن تكفّ، عن رجمنا وبلادنا، ودفننا وإيّاها تحت الركام.
أقدارنا هي القسوة مطلقًا، وعلينا، أنْ نحتملها، ونحتمل حياتنا، بضراوتها التي تزداد، وتنمو، وتتوالد، وتتكاثر. أليس من أفعال العقل أنْ نحتضنها (أقدارنا وحياتنا)، نحن الذين “لم يبقَ لنا إلّا نحن”، وليس لنا، ولم يكن لنا إلّا نحن. ومَن يستدلّ إلى أفعال العقل فـ”يرى” الحكمة متأخّرًا، خيرٌ له من أنْ “لا يرى” مطلقًا. وخيرٌ، سبعين مرّةً سبع مرّات، ممّن “لا يريد أن يرى” في أيٍّ من الأيّام المقبلة.
كتبتُ قبل أسبوع مقالًا عنوانه “اسألوا الأيّام المقبلة”، وكان كثرٌ منّا يعتقدون أنّ أهوال الأيّام التي سبقتْ، كافية لتُعتبَر الحدّ الأقصى. لكنّها، يا للكارثة، لم تكن هي الحدّ الأقصى. وعليه، فلنرَ إلى “الأيّام المقبلة” بالاختبار، وبالحدس، وبالنزر القليل من الحكمة، وبالولاء لإمامة العقل. وها هي مقبلةٌ علينا، وستكون شديدة الهول، ويصعب التكهّن بها كلّها، وبفخاخها، لأنّها متداخلة، ومتشعّبة، وظاهرة، وباطنة. وهي ستكون طويلة الأمد. لكنّها لن تبقى إلى الأبد.
مقنعةٌ هي ولاية العقل حين تُرينا أنّ وحشيّة “الأيّام المقبلة” لن تظلّ تجثم على مصائرنا إلى الأبد، فأراني يجب عليَّ أنْ أرفع عاليًا مقولة أحمد بيضون بعنوانها الفذّ “لم يبقَ لنا إلّا نحن”.
مَن “نحن”؟ الدولة. وجميعنا، ولا استثناء. ولن أتردّد في تعميم هذا “الاقتراح”. والآن، وغدًا، وبعد غدٍ، وفي “الأيّام المقبلة” كلّها. لأنّه ليس لأحدٍ منّا مَن بقي له (وكان له) إلّا نفسه. ونفسه هي “نحن”. جميعنا. وأقول هذا على الإطلاق. وبالمهابة والتهيّب. وبشجاعة. وبالتواضع الرحيب جميعه.
قد يخطّئني بعضٌ هنا وهنالك وهناك، مراهنًا أو معتقدًا أنّه بقي لنا ما (ومَن) ليس “نحن”.
إنّي أصرخ هاتفًا: ليس لنا أحدٌ، ولم يكن ولن يكون لنا أحدٌ إلّا نحن. الدولة. وجميعنا. أوعا الغلط.