صحيح أنَّ الحكومة، أي حكومة، تتألف من أسماء، لكن الأسماء هي المرحلة الأسهل، أما المرحلة الأصعب فهي موازين القوى بين القوى السياسية والأطراف، وهذا ما يجعل عملية التأليف محفوفة بالعراقيل حيناً وبالألغام السياسية حيناً آخر، وهو ما حاصلٌ اليوم.
ثم هناك مشكلةٌ أخرى تتمثّل بالتباعد بين الأطراف الذين ستتشكّل منهم الحكومة، فالتحالفات التي كانت قائمة قبل عملية الإنتخابات لم تعد قائمة بكلّيتها بعد الإنتخابات، لقد حصلت عملية خلط أوراق:
لا قوى 14 آذار بقيت كما هي، ولا قوى 8 آذار بقيت كما هي. هذا التحوُّل الذي هو الأول منذ أحد عشر عاماً من شأنه أن يُعيد رسم خارطة التحالفات في لبنان، هذه الخارطة التي وُضِعت بعد الإنتخابات الرئاسية “بالأحرف الأولى”، سيجري تثبيتها في الإنتخابات النيابية في أيار المقبل، وعندها بالإمكان الحديث عن الأحجام الحقيقية للقوى، لأنَّ الأحجام الراهنة ليست حديثة أو محدَّثة بل عمرها ثمانية أعوام، منذ آخر إنتخابات نيابية وما لحقها من تمديدَين لمجلس النواب.
لكن في مطلق الأحوال فإنَّ الرئيس ميشال عون والرئيس المكلَّف سعد الحريري، مع الرئيس نبيه بري، سيضعون ثقلهم السياسي من أجل بلورة الحكومة في أسرع وقت ممكن، خصوصاً أنَّ التفاهمات على الحقائب والأسماء إقتربت من نهايتها :
– هناك إجماعٌ وطنيّ تميّز بالتمني بقبول دولة نائب الرئيس عصام فارس في أن يكون نائباً لرئيس الحكومة ووزيراً للدفاع، فدولته، وفي السنوات التي كان فيها في السلطة، سواء نائباً أو نائباً لرئيس الحكومة، ترك بصمات بيضاء ومشرِّفة.
دولة نائب الرئيس عصام فارس يصحّ أن يُقال فيه إنَّه يدخل موسوعة غينيس للأرقام القياسية لجهة عدد اللجان الوزارية التي ترأسها والتي فاقت السبعين لجنة وزارية.
اجتماعات اللجان برئاسة عصام فارس كانت في كثير من الأحيان أكثر إنتاجية من جلسات مجلس الوزراء. دولة نائب الرئيس عصام فارس، إذا دخل في الحكومة فإنَّه يعطيها قيمة إضافية، ويعزّز مصداقية العهد ويرفع إسم الوطن إلى أعلى المنابر. وهو الأرثوذكسي المستقيم، يمنح ثقلاً للتمثيل الأرثوذكسي في الحكومة، وعلى مستوى تمثيل لبنان حين ترأس البعثات إلى الخارج، خاصة في إجتماعات الأمم المتحدة.
– ومن مسلِّمات الحكومة أيضاً وزير الخارجية جبران باسيل، الذي أثبت في أكثر من مجال نجاحه. أليس هو مَن أدار مع وزير التربية الصديق الياس بوصعب المحترف التربية والسيد نادر الحريري عملية التوصل إلى تفاهم بين بيت الوسط والرابية حول مسار العماد عون لرئاسة الجمهورية؟
– الوزير نهاد المشنوق عائدٌ إلى وزارة الداخلية بعدما أثبت نجاحه الباهر في إدارة ثلاثة ملفات خطيرة ودقيقة وحساسة في آن وهي: ملف الإرهاب، ملف الإنتخابات البلدية والنيابية الفرعية، ملف الحوار الثنائي مع حزب الله في عين التينة. الوزير نهاد المشنوق هو وزير سيادي وسياسي بإمتياز، وعودته إلى الحكومة مكسبٌ لها.
– وهناك حصة القوات اللبنانية التي لا تقلُّ عن ثلاثة وزراء، بينهم وزير في حقيبة سيادية.
– حصة النائب وليد جنبلاط حُسمت للنائب مروان حماده وللنائب أيمن شقير، وتبقى وزارة للأمير طلال إرسلان أو لمَن يسميه، وعلى الأرجح الوزير الناجح مروان خير الدين.
– وحصة الرئيس نبيه بري محفوظة، وفي المقدمة الوزير علي حسن خليل الذي يبدو أنّه عائدٌ إلى المالية.
وفي إكتمال عقد الحكومة هناك حصة لرئيس تيار المردة سليمان فرنجيه، كما أنَّ عودة الوزير ميشال فرعون محسومة بعدما أبلى بلاءً حسناً في حقيبة السياحة، فأشرف على أكثر من مئة مهرجان سياحي وحضرها كلها، وهذا إنْ دلَّ على شيء فعلى حيوية.
يطول التعداد، لكن ما سبق ذكره، يؤكِّد بما لا يقبل الشك أنَّ الحكومة شبه ناضجة، فالأسماء لا تأتي من المريخ، إنها في التداول، تبقى عملية الواقعية التي يجب أن يتحلى بها الأفرقاء.
تبقى أنَّ هناك أسماء لامعة نجحت في المجالات التي هي فيها ورفعت إسم لبنان عالياً، من هذه الأسماء الرئيس التنفيذي لشركة “دو” للإتصالات الإماراتية اللبناني عثمان سلطان، إبن طرابلس البار، فمن خلال رؤيته الرائدة، استطاع تحويل شركة “دو” إلى نموذج للشركات التي تنافس على الأولوية، لماذا لا يكون عثمان سلطان أحد وزراء الحكومة الجديدة؟
كما هناك رئيس مجلس إدارة “سوليدير”، ناصر الشمّاع، الذي حوّل “جحيم” وسط العاصمة إلى جنَّة غنَّاء.
ولادة الحكومة قبل عيد الإستقلال تعطي الزخم والأمل لعهد الرئيس ميشال عون وللشعب المتلهّف لولادتها.
الهام سعيد فريحه