ثقافة الوعي : هي ما يحتاجه الوطن

منذ ما قبل الاستقلال , ولبنان يعيش تخبطاً لا يُحسَد عليه.

وما بعد الاستقلال تكرّس في هذه البقعة الجغرافية ، الضيقة مساحةً ، والواسعة آفاقاً وتطلعات، فكرة المحاصصة والتجزئة والتقسيمات .

إلى أن جاءت الحرب الأهلية وزادت الطين بلّة، فثبّتت جذور التفرقة واضعة المتاريس التي لم ولن تتكسّر .

وبعد أن وضعت الحرب أوزارها – بإيعاز خارجي – ليخلع كل فريق لباس العسكر، ويرتدي حلّة السياسة والدولة .

بات من العسير بمكان إعادة إحياء مفهوم الدولة – دولة القانون والمؤسسات – التي يناشد بها ولها وفيها، جميع أركان الحرب – السلطة .

إنّ المفاهيم التي تتبدّل بفعل تبدِّل الأحداث ومجاراة لواقع مأزوم هنا، آخر مستعصٍ هناك، لهي مفاهيم تحمل ازدواجية التفكير والمصلحة .

ولعلّ أبرز ما يتخبّط به لبنان اليوم، ويجعله عرضةً لكل أشكال التفلّت والانهيار، هو ازدواجية مفهوم ” ثقافة الوعي ” .

كلّ جماعة حاكمة بأمر الله والوطن، ترى الوعي من منظورها وعلى طريقتها.

حتى تشتّت الوعي وبات أقرب إلى حالة اضمحلال العقل .

ومرفوض كل امرءٍ ” يفكّر “، ﻷنه لا يجعل تفكيره أولاً حسب أهواء ” وعي ” هذه الفئة أو تلك , وثانياً لما يشكّله ” تفكيره ” من خطر داهم على هذه الجماعات .

والمواطن المغلوب على أمره، والمرتهن لمصلحة هنا، ولقمة عيش هناك، تراه تتجاذبه شتّى صنوف وأطياف اللاوعي، وتجعل منه في مصاف المراقب لا أكثر .

ومنذ سنوات معدودات، حين انتفض قسم من هذا الشعب، رافضاً جملة من الأمور وليس حصراً موضوع النفايات والمكبات والضرائب، اتهم هذا البعض بالخيانة والعمالة والتبعية والارتهان لأجندات خارجية، هدفها تخريب الوطن .

وانتشرت ” ثقافة وعي ” لدى العديد من الفئات تنبّه من مخاطر هذه التحرّكات، وتحذّر من مغبّة المشاركة بها – ﻷنها حسب ” وعيهم ” تهدف إلى تخريب البلد وسوقه نحو الهاوية – على افتراض أن الوطن ليس في الهاوية منذ ما قبل عام 75 حتى اليوم !!

إنّ الطامة الكبرى التي تتحكّم بجهل الشعب، هي الشعب نفسه .

هذا الشعب الذي يلعن ليل نهار كل زعماء السلطة دون استثناء، تراه يقف أول الناس مصفقاً وهاتفاً ومنتخباً .

إنّ عملية الوعي شاقّة وخطرة في آنٍ معاً، وتحتاج إلى نفوس أبيّة لا يثنيها محاربة وتهديدات وتشويه .

ولا خلاص لوطننا سوى بعملية وعي شاملة، تبدأ برفض التبعية المطلقة، وتحرير الفكر من قيود الارتهان .

“ ثقافة الوعي ” الحقيقية التي ترسم حدود الحق والواجبات وتشرّع القوانين الحامية والبانية لدولة حضارية .. هي كل ما يحتاجه الوطن … لكي ننجو !!!

حيدر حيدر

اخترنا لك