حين يصبح الإنسان عدوَّ نفسه !!

منذ بدأ الإنسان يتشكّل في إطار الجماعة , كانت الحاجة إلى نُظم وقواعد تسيّر شؤونه وتحدّد دوره الفاعل في المجموع، وحدوده اتجاه الآخر .

وتضع له ضوابط عليه عدم اجتيازها، حفاظاً على أساس الجماعة وحماية له ولها .

وعبر التاريخ , شهِدت مراحل البشرية تطورات متتالية بتطوّر العقل الإنساني، وانتقاله من حالة البدائية نحو التمدّن والتحضّر .

وشِهدت أيضاً انتكاسات كانت نتيجة خللٍ في تطبيق النُظم أو تجاوزٍ للضوابط .

فدفع الإنسان إثماناً باهظةً وتعلّم دروساً مازالت أصداؤها تتفاعل حتى يومنا هذا، وفي مختلف الساحات .

وبفعل التمرّس – والعادة في بعض الأحيان – تولّدت قدرة لهذا الكائن على استحداث نُظمٍ تتماشى وحاجاته الديموغرافية أحياناً، والسيسيولوجية في أخرى .

ولكن يبقى الأدهى من كل ذلك، هو تغيُّر بعض السلوكيات والنظم على حد سواء، نتيجة التأثير المباشر للأيدولوجيا – على اختلاف مشاربها – في هذا الكائن .

فغدا محكوماً – وخاصة في الشرق – بجملة من النظم التي لها فعل التأثير الأكبر في طور نموه العقلي .

وصلت في مرحلة ما – وكنتيجة حتمية لغياب البديل – إلى ذروة التحكّم به .

فأمسى لاإرادياً ” مطيعاً ” لها , ومحارباً عنها . ولعلّ التاريخ الذي حفِظَ لنا في

طيّاته الكثير الكثير، من مراحل مرّت بها أممنا , وشابَته مغالطات وتشويهات – مقصودة أم غير مقصودة – يُثبت لنا مع مرور الزمن سقوط هذه النظم – المقدسات وفشلها .

ورغم ذلك، وبكثير من التخبّط والمعمعة، ما زال الإنسان رجعيّاً في تفكيره الموروث بفضل طبقة تدّعي ” تسيير شؤونه ” وتحكّمها به، تحت مسميّات مختلفة ومتنوعة، ويعتبرها هو ذريعة للبقاء .

إنّ المجتمعات التي تقدّمت في مراحل معينة وسبقت غيرها , تمتّعت بالجرأة الكافية لخلع رداء الموروث مع مبدأ الحفاظ على الأصالة الروحية .

ومجتمعات الشرق لها القدرة في أماكن كثيرة ومختلفة , والطاقة والإمكانية الكافيتين للسير بهذا النهج .

فهي في مكان ما , تتمتّع بالأصالة الروحية التي تعطيها وقايةً كافيةً من الموبوء، وأيضاً بالقدرة على خلع موروث لا يتماشى مع النمو الذي تسير به الإنسانية .

وليس بالضرورة خلع الموروث أن يكون مقيّداً بفكرة أو نظام، إنما هو تغيير يضرب مواطن الداء العضال الذي أحدث شللاً في أعضاء نهوض المجتمع والإنسان على حد سواء .

الغاية الوجودية على هذه الأرض، لا يحدّها قانون أو نُظم أكانت وضعية أم سماوية .

لذا وعبر قراءة بسيطة للمراحل التاريخية التي مرّت وتمرّ بها الإنسانية، فإنّ الإنسان نفسه هو الخطر الحقيقي والداهم لعملية التقدّم .

فالتبعية المطلقة للفكر والنظم والقوانين، دون تمحيص وتدقيق، أو مناقشتها وطرحها على طاولات البحث التاريخي والفكري والثقافي , ووضعها تحت مجهر العقل المتزن، تجعل من الإنسان عدوّاً لنفسه .

وحتى لا ندخل في دوّامة لا نهاية لها ولا مستقرّ , كالتي نعيشها اليوم في مجتمعاتنا، علينا البحث في داخلنا لنكتشف الجرأة اللازمة والكافية التي تدفعنا إلى سبر أغوار هذه النظم .

والبحث العميق في جذور تخلّفنا ووضع الحلول الناجعة والسُبُل الصحيحة للتقدّم .

كيلا نبقى نغوص في رواسب القشور، ونفقد القدرة على اكتشاف جوهرية الوجود الفعلي والراقي لنا في الحياة .

حيدر حيدر

اخترنا لك