فهم الذات الإنسانية تُحقّق التقدّم !!

استكمالاً لِما بدأتُه في مقالٍ سابقٍ ( حين يصبح الإنسان عدوَّ نفسه )، فإنّ الجرأة التي تحدّثتُ عنها سابقاً، تتمثّل في البدء بالقناعة الداخلية التي تتشكّل داخل الإنسان – الفرد.

فحين يصبح هذا الفرد على بيّنة حقيقية لفهم الذات التي يتمتّع بها، ويكوّن خلاصة نفسية – فكرية – ثقافية، لما يبتغيه وجوده الأعمّ، يكون ذا قدرة على استخلاص حقيقة تتجلّى في الفعل – الغاية التي يسير إليها.

منذ عقود غابرة ومكتبتنا الفكرية والثقافية امتلأت بدراسات شتّى ومتنوعة حول طبيعة الوجود البشري.

منها ما كان منطلِقاً من البيئة الدينية، ومنها ما كان محض أفكار ونظريّات اجتماعية وفلسفية وسياسية.

إلاّ أنّ المشترك الدائم لهذه الدراسات كان ” البحث عن غاية وجود البشر “.

وبعيداً عن الغوص في تلك الدراسات والأبحاث، فإنّ تلك الغاية لا يدركها سوى الإنسان بحدّ ذاته.

وإن تشابَهت أو اختلفت الأوجه والمنطلقات، يبقى الأكيد الوحيد ,هو قدرة المرء على استكشاف نفسه متجرّداً عن المحيط المؤثّر والفاعل والموجِّه.

وتلك بداية القناعة الصحيحة التي يجب أن يتمتّع كل فرد بالجرأة للتفكير بها والخوض في غمارها .

ساد العقل البشري ولمدة قرون من الزمن ظلام فكري انتجته طبقة ادّعت أنّها تتحدّث باسم الرب.

فأدخلت مفاهيم وسلوكيات وحتى مسلّمات إلى الفكر الإنساني جعلته محدودتً ومقصّراً وعاجزاً.

حتى عاد من سُباته وانتفض بجرأة على تلك الطبقة، وأعاد الأمور إلى نصابها الصحيح.

ثم جاءت طبقة أخرى قيّدت العقل البشري باسم المادّيات والتفلّت.

وطبقة باسم التحرّر والديمقراطية.

وطبقات تتالت مقنّعة هذا العقل بزخارف متعدّدة ظاهرها حق وجوهرها باطل.

وما زال البحث مستمرّاً حتى اليوم عن توليفة نظامية تحقّق المفاهيم التي دأب الإنسان يُنادي بها.

إلاّ أنّ هذا البحث ما زال يغفل جوهراً اساسياً ، وهو الذات الإنسانية .

فأيّ منطلق صحيح لوضع توليفة تضمن تحقيق المفاهيم، يجب أن يكون نابعاً من أصل الذات ، لا مُسقَطاً عليها . لذا الجرأة تبدأ من هنا، من داخل الإنسان،أن يكون قادراً على سبر أعماق أصالته الروحية وخلع كل رداء مصطنع مهما كانت تسميته .

إنّ مفاهيم الحق والعدالة والمساواة والحرية والقتدّم وغيرها الكثير، لا يمكن البحث عنها في قوانين وضعيّة أو سماوية ما لم تكن نابعة من الأصالة الروحية للإنسان.

ومهما أُنزِلَ من السماء أو صعد من الأرض نصوص تقدّس هذه المفاهيم، فإنّها لا تجدي نفعاً ما دام الجوهر الوجودي للإنسان مُعدَماً.

لذا الجرأة الأولى التي يجب ممارستها في سبيل التقدّم .. هي فهم الذات الإنسانية !!

حيدر حيدر

اخترنا لك