من يراجع الشعارات الإنتخابية في كل لبنان، وهي بأكثريتها طوباوية، يعتقد للوهلة الأولى أنه إمّا يعيش في بلد غير لبنان لا يشبهه بشيء، أو أنه يبصر بنومه حلمًا جميلًا لا يتمنى نهاية له، أو أن أصحاب هذه الشعارات يعيشون في المريخ ويحاولون غشّ الناس.
فلو طُبق عشرة في المئة من هذه الشعارات لأصبح لبنان جنّة يتمنى كل سكّان الأرض أن يعيشوا فيه كبديل عن أوطانهم.
نبدأ بالإزدهار الذي ينتظره لبنان على أيدي الآتين إلى الندوة البرلمانية على أحصنة بيضاء، إذ أن الدين العام سيتراجع، وستعمّ البحبوحة وينتعش الإقتصاد، وسيكون أمام اللبنانيين 900 ألف فرصة عمل جديدة، وستعود الحركة إلى القطاع السياحي، بحيث لا تعود الفنادق تستوعب الأعداد الكبيرة من السياح، وبالأخص العرب منهم، وهم الذين أشتاقوا للربوع اللبنانية والتبولة والكبة النية والدبكة والميجانا والسهرات التي تمتد لساعات الصباح، وسيكون للمهرجانات الصيفية رونق خاص تذكّرنا بعزّ مهرجانات بعلبك وبيت الدين أيام الخير.
ولا ننسى بالطبع أن الكهرباء ستشعشع ليل نهار وستكون مؤّمنة 24 ساعة على 24، من دون إنقطاع، وستعود بيروت إلى تلألؤها، وكذلك بلدات الإصطياف. ومع هذا الإنجاز العظيم لا يعود اللبناني مضّطرًا إلى دفع فاتورة الكهرباء مرتين وربما ثلاثًا.
أمّا المياه فستعود إلى حنفايات المنازل التي أشتاقت إليها، فتنتفي الحاجة إلى الإستعانة بصهاريج المياه البديلة.
وما ينطبق على الكهرباء والمياه سينطبق حتمًا على البيئة النظيفة، بعد إيجاد حلّ نهائي لأزمة النفايات، فيصبح الهواء منعشًا وعليلًا، ولا يعود يضّطر الآتي من الخارج لأن يسدّ أنفه بمجرد أن تطأ قدماه أرض المطار لئلا يصاب بالغثيان من جرّاء الروائح الكريهة المنبعثة من المكبات العشوائية التي تزّنر العاصمة جنوبًا وشمالًا، وسيصبح الشاطىء الأزرق، الذي لم يعد كذلك، قبلة هواة السباحة لما ستكون عليه حالته الجديدة بعد تنظيفه من الأوساخ والميكروبات.
وما نشهده من زحمة سير خانقة هذه الأيام ومن فوضى عارمة على طرقات لبنان، بطوله وعرضه، لن تتكرر مشاهده بعد 6 أيار، لأن حلّ هذه المعضلة سيكون في جيب نواب النسبية، لما يعدون به من مشاريع لأوتسترادات بديلة وجسور وأنفاق على كل المفارق الرئيسية في العاصمة والمناطق المكتظة، والتي تشهد عادة زحمة خانقة.
بالمختصر المفيد، ووفقًا لشعارات المرشحين، الذين سيكون من بينهم 128 نائبًا في 7 أيار، فإن لبنان الجديد هو غير لبنان الذي نعرفه بمشاكله وتعقيداته وظروفه غير الملائمة للعيش فيه بكرامة، فضلًا عمّا نسمع من كلام سياسي يبشّرنا به أصحاب الشعارات الكبيرة، حيث ننتظر حلًا سريعًا لأزمة النازحين السوريين، وستوضع الخطّة الدفاعية على طاولة البحث الجدّي، وستشكل حكومة وحدة وطنية حقيقية غير كيدية تنصرف بكليتها إلى معالجة الكمّ الهائل من المشاكل التي كان يعاني منها المواطن، وسيكون الإتفاق بين جميع مكونات البلد تامًا على المسلمات الوطنية، وسيعمّ الأمن والإستقرار كل الربوع اللبنانية وستكون سلطة الدولة وحدها هي المسيطرة، حتى في المناطق التي كانت تُعتبر محميات أمنية، وسيكون العدل أساس الحكم.
وكأنه حلمٌ مستحيل تحقيقه، وهو غير موجود إلاّ في شعارات المرشحين، وسيكون 7 أيار كغيره من الأيام، حيث سيكون مآل كل هذه الشعارات سلّة النسيان، وستنضم إلى أخواتها في روزنامة الوعود والأحلام الجميلة.
اندريه قصاص