كتب وليد حسن في صحيفة “المدن” الإلكترونية تحت عنوان “مستشفى الفنار للأمراض العقلية: مشهد من القرون الوسطى” : ” هي صدمة لا يمكن أن يقبلها أي “عاقل”.
وقبل السؤال عمّن يتحمّل الأوضاع البائسة والمزرية لحال المرضى في “مستشفى الفنار للأمراض العقليّة والعصبيّة”، هل على عاتق مالكته سمر اللبّان، أم هي مسؤولية وزارة الصحّة أو أي جهة ثالثة.
فإنّ هذا المبنى الضخم يشبه أي شيء عدا اسمه. هو أشبه بمعتقل بائس، قُطع عنه الغذاء والماء والكهرباء وكل أسباب الحياة.
قرّر السجّان فتح أبوابه كي يهرب المساجين منه. وأقل ما يقال إن تواجد المرضى فيه، لا يشكّل خرقاً فاضحاً لحقوق الإنسان وحسب، بل يشكّل خطراً على حياتهم أيضاً.
مكان كابوسي
ذاك المبنى الضخم على يمين طريق عام النبطية، الذي يطلّ عليك بعد الانتهاء من طلعة المصيلح، يبدو من بعيد مكاناً جميلاً للاستجمام، وأخذ قسط من الراحة. لونه الأحمر القرمزي والخطوط البيضاء الفاصلة في زواياه، وأشجّار الصنوبر المنتشرة حوله، على تلك الهضبة المطلة على البحر، يجعلك تعتقد أنك في حضرة فندق من خمسة نجوم. لكن المعاينة القريبة للمكان تجعلك أمام مبنىً كابوسي كأنه آت من القرون الوسطى. مكان لتعذيب الأسرى وليس لشفاء المرضى، كما يدلّ اسمه.
في طريقنا لاستكشاف هذا المبنى، المسمّى زوراً “مستشفى”، نخطئ مرتين في مفترق الطريق المؤدي إليه، إذ لا لافتة تدلّك إليه. نختبر طريقاً ثالثاً، علّنا نصل إلى مبتغانا. حفر كثيرة، وإسفلت قديم، وجدران دعم منهارة على جانب الطريق. وبعد معاناة، نصل إلى الساحة المشرفة على المبنى. في أرجائه ثلاثة مبان قرميدية، عرفنا لاحقاً أنّ مالكة المستشفى تتّخذ منها مسكناً مؤقتاً ومكاتب للعمل”.
وتابع: “عتمة وظلمة وبرد قارس، هي أول ما يطالعنا في هذا المكان. غرف شاسعة خصصت للمرضى، تعادل نصف حجم المبنى الضخم. نسترق نظرة من خلف القضبان الصدئة. الضوء الخفيف المتسرّب من بعض النوافذ يكشف بعض تفاصيل طبيعة الغرفة المظلمة: مرضى يروحون ويجيئون بثيابهم الرثّة، وجدران وبلاط كستها الأوساخ والقذارة وأسرّة مهترئة. ننادي لعلّ من مجيب، فيتهافت المرضى إلى الباب.
يشدّون أياديهم على القضبان ويبدأون بالصراخ: “لا يُطعموننا إلا الأرز. صباحاً ومساءً فقط الأرز”، “لم نستحم منذ أكثر من شهر، يصرخ أحد المرضى”. وماذا عن التدفئة؟ “نحن نموت من البرد”، قال أحدهم. وكم عددكم، نسأل؟ سبعة وثلاثون شخصاً، مات إيلي منذ أسبوعين بسبب انخفاض معدّل السكري، قال أحدهم.
وراح يشرح لنا أهمية مستوى السكري بالدم وكيف أثّر سوء التغذية على موت إيلي، كأننا في حضرة طبيب حفظ أسرار المهنة أكثر من أصحاب المستشفى. وزميله يختصر المشهد بالقول: “فليقدّموا لنا طعاماً جيداً، أو يتركونا في حال سبيلنا”.
ننزل إلى الطبقة السفلية، فيتكرّر المشهد: عتمة وبرد وباب بقضبان يشبه أبواب المعتقلات، ورطوبة وروائح كريهة. تتهافت النسوة ويبدأن بالصراخ: “أرز ولحمة، يُطعموننا فقط أرز ولحمة على الغداء وفي المساء، وجبنة في الصباح، وفي حال عدم توفرها يُطعموننا فقط وجبتا الغداء والعشاء.. لا تدفئة ولا إنارة، لمبة واحدة تعمل أساساً في هذه الغرفة”.