فليضحك المرء، وليسخر، عندما لا يجد أمامه شيئًا مفيدًا يعمله ويقوم به، سوى الضحك، والسخرية المُرّة.
السخرية ذات المذاق السكّريّ الحلو اللذيذ، تنفع هي أيضًا، وإن تكن المُرّة أطيب، لأنّها أدهى، وأشدّ ذكاءً وأكثر لؤمًا.
فليضحك المرء، وليسخر دائمًا وأبدًا، وحيث أيضًا لا تدعو الحاجة، وخصوصًا عندما يصبح الموقف النقديّ بلا جدوى، كحال المعترضين على السلطة.
الضحك والسخرية مفيدان للقلب، للدماغ، للأعصاب، لأنّهما يليّنان الشرايين، ويسيّلان الدم، ويجعلان الإنسان قريبًا من شواطئ الغفلة والهستيريا المحبوبة والجنون الخفيف.
المرء يجب أن يغتنم الفرصة ليضحك ويسخر. فالضحك والسخرية مطلوبان ومرغوبان في كلّ آنٍ، وخصوصًا إذا كانا موهوبوبَين، ومجانيّين، ولا يبتغيان شيئًا، سوى التفريج عن الروح المكلومة.
فلنضحك ولنسخر جميعنا. لن تبخل علينا “الساحة اللبنانيّة” بالأسباب الوجيهة الدافعة إلى الضحك والسخرية.
فلنصدّق أن كلّ الأسباب متوافرة وموجبة، وليس على المرء سوى أن يحضر السوق للفرجة.
سنجد دائمًا، جهةً، أو شخصًا، مناسبَين، لجعلهما تحت سكّين السخرية، تحت مفرمة الهجاء والفضيحة.
لن نُعدَم شخصًا، ولا جهةً.
فالطبقة السيّاسيّة، برمّتها – تقريبًا – حاضرة ناضرة، لتقدّم إلينا الوجبات الضروريّة والدائمة للسخرية الضاحكة.
بل الوزراء، بل النوّاب، بل قادة الأحزاب والتيّارات والميليشيات، بل غاسلو الأموال، وعاقدو الصفقات، وقابضو العمولات والرشاوى، بل الحكّام جميعهم، يتبارون، ويتنافسون، ويتزاحمون، ويتقاتلون، لتقديم أفضل تلك الأسباب والوجبات، الضروريّة الموجبة للسخرية الضاحكة، التي لا بدّ من عرضها على موسوعة “غينيس”.
فمن المؤكد، والحال هذه، أنّها ستحرز قصب السبق، وستفوز، وستُعلّق من جرّاء ذلك، على صدر الجمهوريّة وأهلها، أرفع الأوسمة اللمّاعة، في هذا المجال.
المهمّ أن يكون الواحد منّا، ساخرًا “عبقريًّا”، و”مبدعًا”، وعلى قدْر المقام، للاضطلاع بالسخرية، بالهجاء، بالضحك، ولأداء هذا الدور الرائع المهيب، وتحمّل هذه المسؤوليّة العظمى.
أمامنا، في الأيّام القليلة المقبلة، فرصةٌ نادرةٌ، واستثنائيّة.
“حكومة العهد الأولى”، “حكومة العهد القويّ”، “حكومة إلى العمل”، “حكومة الوحدة الوطنيّة والعيش المشترك”، أنجزت مشروع الموازنة، الذي وقّعه رئيس البلاد، والذي ستناقشه الهيئة العامّة لمجلس النوّاب، مجلس ممثّلي الأمّة والشعب، حيث سيتبارى النوّاب، جميع النوّاب – تقريبًا – وخصوصًا الممثَّلة كتلُهم في الحكومة، وسيتنافسون في الخطابة وعرض العضلات وإبراز المواهب، لتفنيد بنود الموازنة بندًا بندًا، والكشف عن الثغر والعيوب الكامنة فيها، لما فيه مصلحة “الشعب اللبنانيّ العظيم”.
يمكننا، والحال هذه، أن نتحضّر، ونستعدّ، ونتهيّأ نفسيًّا وجسديًّا، لعيش أيّامٍ ديموقراطيّةٍ خالدة. فالسلطة التشريعيّة ستكون في المرصاد للسلطة التنفيذيّة، وستراقب، وستسأل، وإذا لم يعجبها مشروع الموازنة، فستُسقطه، ربّما بالضربة القاضية، وربّما بالجملة أو بالمفرّق، وستشهد البلاد من جرّاء ذلك، سعادةً غامرةً، وسيتحقّق العدل والإنصاف، وسينال أصحاب الحقوق حقوقهم، وستُعدَّل الموازنة لما فيه مصلحة الشعب والدولة، وستُفرَض الضرائب على أصحاب الأموال غير المعروفة مصادرُها، وسيُرفَع الضيم بالتأكيد عن صدور أهل الطبقة العاملة، والفقراء، والجياع، والمرضى، والعاطلين عن العمل، والباحثين عن لقمة العيش.
فليتحضّر أهل السخرية، العباقرة منهم خصوصًا، ليشهدوا، ويسخروا.
السيرك أصبح جاهزًا على العموم. المهرّجون أيضًا. فلتتحضّر التلفزيونات، ووسائل التواصل، والإذاعات، والجرائد، ورجال الإعلام، ونساء الإعلام، للمشاركة في العرض العظيم.
وليتوقف الناس عن الذهاب إلى أعمالهم. أمامنا فرصةٌ لا تتكرّر لنسخر من أنفسنا، لا من أحدٍ آخر. أجمل أنواع السخرية، السخرية من الذات: سيرك، مهرّجون، عهدٌ قويّ، وشعبٌ عظيم. والسلام.
عقل العويط