كمين أم حادث فردي : الامر لـ “عشائر” العهد !

أخذت الاتصالات والزيارات السياسية في اليومين الماضيين مداها في محاولة لإخراج أحداث قبرشمون من مربع التوتر والرؤوس الحامية… حتى لو كلّف الامر إطاحة “اجتماع قصر بسترس” بمجلس الوزراء الى أجل غير مسمّى.

تحرّكت جميع خطوط التهدئة دفعة واحدة لكن من دون أن تنجح حتى الان في ايجاد تعريف موحّد لما حدث في “أحد الجبل” الساخن.

الوزير باسيل كان واضحاً في الحديث عن “كمين سياسي وأمني”، متبنّياً جزءاً من “مطالعة” الحلفاء التي تحدّثت عن محاولة اغتيال، فيما قيادات الحزب التقدمي الاشتراكي لا تزال تروّج لنظرية “الحادث الفردي”.

وفي هذا السياق تفيد مصادر موثوقة بأن فرضية وجود كمين تدحضها الوقائع شيئاً فشيئاً، خصوصاً أن “ترتيبات” الكمين المحكم، بمعناها الامني واللوجستي، لم تكن متوافرة في حادثة قبرشمون، وهذا ما ستكشفه التحقيقات قريباً. لكن ما ليس معروفاً كيفية تعاطي القضاء مع النتيجة… واستطراداً “عشائر” العهد!

مساعي “تبريد” النفوس المحقونة تتمّ في ظل معطيين أساسيين: التحقيقات في أحداث قبرشمون التي قرر مدعي عام التمييز بالوكالة القاضي عماد قبلان حصرها به كمرجعية قضائية وحيدة نظراً لخطورة الحادث حيث قام بتسطير مراسلة خطية كلّف بموجيها “شعبة المعلومات” بالتحقيق بالحادثة في خطوة تهدف الى حصر التحقيقات بجهة واحدة حرصاً على تبيان حقيقة ما جرى، مع الإشارة الى ان هذا الملف بمثابة كرة نار حرصت جميع الاجهزة الامنية على تجنّب تلقفها بدليل التجاوب الكبير مع قرار مدعي عام التمييز بحصر المهمة ب “المعلومات”.

وقد قامت مديرية المخابرات بإحالة اثنين من المشتبه بهم الى “المعلومات” بالتزامن مع انطلاق مبادرة اللواء عباس ابراهيم والتي أسفرت عن استلام “المعلومات” ثلاثة موقوفين بعد التنسيق مع الاشتراكي، مع العلم أن جميع الموقوفين الخمسة ينتمون الى الحزب الاشتراكي.

أما المعطى الثاني فتلويح مصادر وزارية بأن انعقاد جلسة مجلس الوزراء ليست ميسّرة هذا الاسبوع، وبأن إزالة الالغام أمامها قد تأخذ وقتاً أطول من 48 ساعة ربطاً بعقدتيّ الممانعة في إحالة الملف الى المجلس العدلي وتسليم المطلوبين، فيما الضغط يتركز على توقيف كل المتورطين من الطرفين بحادثة البساتين كتمهيد لسحب مطلب المجلس العدلي من التداول.

ويفيد مطلعون في هذا السياق بأن هذه الحادثة لم تأخذ حيزاً كبيراً من اللقاء المسائي على العشاء في عين التينة بين الرئيس نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري والنائب السابق وليد جنبلاط.

“دليفري” تسليم المطلوبين من جانب الامن العام، بالتوازي مع الدور المحوري الذي لعبه اللواء عباس ابراهيم، يعكس بشكل واضح فرض السياسيين نتاج “تخبيصهم” على الامن. بدا الأمر أقرب الى الحلّ “العشائري” بتوقيع سياسي بالدرجة الاولى. جهاز أمني يوقف متورطين ثم يتنحى، جهاز يتسلّم مطلوبين، وجهاز أمني ثالث يحقّق!

أبدعت القوى السياسية في تسخير المنابر خدمة لخطاباتها التحريضية، فكانت نتيجة التجييش جريمة في وضح نهار “التسوية” و”المصالحات”. جلس القيّمون على فلتان الارض في الجبل على مقاعد التفرّج تاركين للأمنيين التصرّف… كالعادة.

الجيش، ومنذ مساء الثلاثاء رفعت نسبة جهوزيته الى 90% ونفّذ يوماً أمنياً مثمراً، اللواء ابراهيم تحرّك بفعالية على الخط الدرزي الدرزي تحت سقف المساعي الرئاسية لاعادة الامور الى نصابها، و”فرع المعلومات” باشر فوراً بتكليف من النائب العام التمييزي تحقيقاته في الجريمة.

خطابات التحريض ضد المؤسسة العسكرية، التي لم يجد من “يًخرِسها”، ساهمت في انتقال ملف أحداث قبرشمون الى “فرع المعلومات” الذي أدخِل في عمق حلبة “المصارعة” الدرزية-الدرزية، فيما ذيول أحداث الشويفات لم تنته أصلاً بعد. هنا يفهم تماماً، مغزى أن يتحوّل الملف من يد الجيش، المعني الاول بالحادث لكن المغضوب على بعض ضباطه درزياً، الى “المعلومات” عبر الامن العام الوسيط المحايد المكلّف ب “ترانسفير” المطلوبين من أماكن تواجدهم في الجبل الى مقرّ المديرية!

وفق المعطيات المتوافرة بدأ “فرع المعلومات” عمله الامني منذ إعطاء مدعي عام التمييز بالوكالة عماد قبلان إشارته القضائية، مع العلم أن رئيس الجمهورية كان مؤيداً لتولي “المعلومات” التحقيقات نطراً لحرفيته العالية.

جزء من هذا العمل كان تمّ قبل التكليف، ويستكمل حالياً من خلال “تفريغ” كاميرات المراقبة، ورسم مسار موكب باسيل وموكب الوزير صالح الغريب بالتفاصيل، وخارطة انتشار المحتجين ونقاط قطع الطرقات، ورصد الاتصالات بين المشتبه بضلوعهم بالحادث، والقيام بعملية استقصاء دقيقة لملابسات الحادث، ورصد توقيت ظهور السلاح، واستجواب المطلوبين… مع العلم أن مصادر مطلعة تؤكد أنه خلال اجتماع المجلس الاعلى للدفاع يوم الاثنين عرض المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء عماد عثمان تقريراً مفصلاً وشاملاً للجوانب لامنية والسياسية للحادث بشكل بالغ الدقة، تمّ اعداده من قبل رئاسة “شعبة المعلومات”، واستدعى هذا التقرير تنويهاّ من قبل رئيس الجمهورية.

كما تؤكد المعطيات أن عون وبإصرار شخصي منه أخذ على عاتقه مهمة حلّ هذا الملف عبر تحويل القصر الجمهوري الى مقر مركزي تتجمّع فيه كامل التقارير الامنية والداتا المرتبطة بالحادثة وحصيلة التوقيفات، فيما يشير مطلعون الى أن جلسة “النق” التي جمعت النائب ارسلان بعون في بعبدا واستهدفت بشكل مباشر مدير المخابرات العميد طوني منصور وضابط المخابرات في خلده العقيد ن.ض. لم تلق صدى استيعابياً لدى الرئيس عون، وإن كان ارسلان سلّمه ملفاً كاملاً مزوداً بفيديوهات وتسجيلات ومعطيات بشأن الحادث وما سبقه، في حين ان جانب الحزب الاشتراكي تقدّم بشكوى عبر المحامي نشأت الحسنية أرفقها أيضاً بفيديوهات مقابلة، وقد أحيلت الشكوى المذكورة الى “شعبة المعلومات” تبعا للملف الاساسي.

وتفيد المعطيات بأنه وبعد اللقاء الذي جمع بين اللواء ابراهيم وجنبلاط تمّ الاتفاق على تسليم المطلوبين من قبل الاشتراكي بحسب ما تظهره التحقيقات لجهة تحديد أسماء المتورطين، ما يؤشّر الى أن الامن العام سيكون الجهاز المعني بملف التسليم بانتظار معرفة مدى جدية وتجاوب جنبلاط مع الاسماء التي سيتمّ تزويده بها. ووفق مصادر معنية، ما اصطلح على وصفه بلائحة ال 32 ليس سوى رقم تقديري للمعنيين بحادثة قبرشمون، فيما العدد الحقيقي النهائي ستحدّده مجريات التحقيق تباعاً.

ويبقى السؤال المركزي هل ان التحقيق سيطال المطلوبين من جهة جنبلاط فقط، أم سشمل الاشخاص الذين قاموا بإطلاق النار من جهة موكب الوزير صالح الغريب، مع العلم أن تسليم جميع المطلوبين هو شرط جنبلاط الاساسي للتجاوب مع متطلبات التحقيق. وهنا ستكون الاشكالية الكبرى حول الحسم النهائي إذا كان الحادث مدبراً وعن سابق تصور وتصميم أم أن فعلاً محدّداً استدعى ردة فعل وسط غياب القوى الامنية التي تولّت المهمة منذ الصباح وانسحبت من المكان عندما قرر الوزير باسيل الغاء زيارته الى كفرمتى والعودة الى بيروت.

لكن الرواية المضادة من جانب الجيش تكشف في هذا السياق بأن عدد العسكريين الذين واكبوا زيارة باسيل الى الجبل بناء على محطاتها المتعددة قارب ال 1500 عسكري (عشر سرايا تقريباً)، فيما الجزء الاكبر منهم التحق بالمنطقة صباح يوم الزيارة بسبب الاجواء المشحونة التي سبقت حصولها.

ويشير المطلعون الى أن هذه القوى العسكرية بعديدها لا تزال حتى اليوم منتشرة في مناطق محددة في عاليه، ما يعني أن أي انسحاب لم يحصل مع ترك باسيل منطقة الجبل، لكن ما يحصل عادة في مهمات من هذا النوع أن المجموعات العسكرية لا تبقى ثابتة في مكانها وهي تتحرّك تلقائياً مع تحرّك موكب الشخصية المعنية، وهذا ما حصل بالتحديد حين قرّر باسيل مغادرة شملان، فأعادت القوى العسكرية التموضع بناء على مغادرة الوزير المعني المنطقة.

مع الإقرار من جانب هؤلاء أن الاطباق الامني على اشتباك من هذا النوع لحظة حصوله بشكل خاطف وغير متوقع في منطقة مفتوحة وشاسعة أمر صعب جداً.

بمطلق الاحوال، يتبيّن أن “ثكنة” استدعت مناخات التوتر نزولها الى الارض لمواكبة زيارة باسيل الى الجبل. وثمّة تساؤل إذا هذا الامر سيتكرّر في زياراته التي وعد باستكمالها في المناطق… ومن ضمن أهدافها “كشف الفتنة” ومن يقف ورائها. أما السؤال الاكبر: هل ستأخذ “عشائر” العهد بنتيجة التحقيقات كما هي أم تضغط لتحريفها وفق مصالح الأكثرية الحاكمة فيها؟!

ملاك عقيل

اخترنا لك