المشهد (اللبنانيّ) هو هذا المشهد: الجوعى جوعى، الغاضبون غاضبون، الحالمون حالمون، اللامبالون لامبالون، القطعان قطعان، الغافلون غافلون، المرتزقة مرتزقة، الصيارفة صيارفة، الجواسيس جواسيس، الانتهازيّون انتهازيّون، المتسلّقون متسلّقون، المتورّطون متورّطون، الأغنياء الجدد أغنياء جدد، الحكّام حكّام، أشباه الحكّام أشباه حكّام، الملعونون ملعونون، الشعراء شعراء، السورياليّون سورياليّون، والرازحون رازحون.
بين الضفّتين، النهرُ العبثيّ الوجوديّ يجري آخذًا معه التأوّهات والثرثرات، غير آبهٍ بشيء.
المشهد (اللبنانيّ) هو هذا المشهد: المانعُ لبنانَ الدولة هو نحن. وهو أيضًا القاتلُ الذي لا ينظّف يديه من رائحة الدم، زاعمًا أنّه انتهى للتوّ من ذبح العجل المسمّن احتفاءً بعودة ابنه الضالّ.
وهو المرشد الذي لا يرشد العابرين والسيّارات إلى إشارات السير، من أجل أنْ يطمئنّ إلى حسن انسحابه في غفلةٍ من كاميرات الرادار.
وهو الحاشية التي تفترض أنّ الانهيار غيمةُ صيفٍ عابرة، وأنّ الشمس ستشرق بانبهارٍ عجيب، وأنّ الحياة ستعود حتمًا إلى مجاريها في انتظار الحفلة المقبلة.
والمانعُ لبنانَ الدولة هو هو، مَن يجيء مهرولًا بعد أنْ يرتدي ثيابه على عجل، متعجّبًا ممّا يجري: هل حقًّا استغرقتُ في نومٍ عميق؟
المشهد (اللبنانيّ) هو هذا المشهد: يذهب المقهورون المتمرّدون إلى غرفهم المغلقة، أعمق قهرًا وأكثر تمرّدًا. شذّاذ الآفاق يعودون إلى أوكارهم متأفّفين ضجِرين.
سائقو الدرّاجات الناريّة وأصحاب القمصان يعرفون المخارج الآمنة والسبل المفضية إلى التفرّق السريع، مثلما تعوّدوا التجمّع السريع، ملبّين إشاراتٍ غير مرئيّة، يتلقّفونها بلمحات بصر. ثمّة مَن يرعى بعنايةٍ فائقة، وببصيرةٍ حادّة، الأغبياء السكارى ليظلّوا سكارى.
لا مدعاة للتطيّر من أمثال الغائرين في لاوعيهم السلبيّ هؤلاء، أيًّا يكن سبب سكرهم. الأكثريّة الصامتة أكثريّةٌ صامتة.
القهرُ اللامنظَّم هذا، يجب أنْ يكون ممكنًا تأطيره، وإنْ بأعجوبة الضغط الديموقراطيّ المنظّم. لا بدّ من حدوث أمرٍ جَلَل لجعل القهر منظّمًا، وتغيير مكوّنات المشهد والنهايات المريرة المتوقَّعة.
يقول صانع العدم (اللبنانيّ): لا شيء يستدعي تغيير الخطّة في الوقت الراهن. ثمّة متّسعٌ من الوقت لاستدعاء أحوال الطوارئ، أو لاستخدام رعوناتٍ حمقاء. هكذا، يستطيع النائم أنْ يظلّ نائمًا، والغافل أنْ يظلّ غافلًا، والكاذب أنْ يظلّ يوغل في الكذب، والمستبدّ أنْ يتلمّظ باستبداده، والخبيث أنْ يتماوت، والميت أنْ يؤجّل موته لترتيب الضريح.
يكفي الإيعاز إلى الساهر العدميّ (اللبنانيّ) ليواصل سهره لئلّا يفسد التلاعبُ بهندسة المسرح وضوحَ الرؤية التي تتحضّر في الكواليس.
هل يجب أنْ يُطفَأ الضوء لكي لا يرى الميت عينيه المبحلِقتين في العدم؟
هل يجب أنْ يُطفَأ الضوء من أجل أن لا تدلّ البوصلةُ العمياءُ لبنانَ الدولة إلى مقبرته المترعة بانتباه النجوم؟
لم تأتِ الساعة بعد، يقول صانع العدم. في مقدور النائم العدميّ أنْ يسأل متعجّبًا عندما يصحو: هل حقًّا استغرقتُ في نومٍ عميق؟
عقل العويط