قد تكون واحدة من أكبر المفاجآت التي أفرزتها الانتخابات النيابية التي جرت الأحد الماضي بعد طول انتظار، خلافًا لكلّ التوقعات والتقديرات، فضلاً عن استطلاعات الرأي التي سبقتها، أنّها أفضت إلى دخول عدد غير قليل من نواب المجتمع المدني والمستقلين، أو ما يصطلح على وصفهم بـ”النواب التغييريين”، إلى الندوة البرلمانية، في العديد من المناطق، بما فيها تلك التي كانت “تحتكر” التمثيل سابقًا.
على مدى الأشهر الماضية، كان لسان حال الطبقة السياسيّة أنّ هؤلاء “التغييريين” الناقمين على أحزابها وتشكيلاتها، لا يمتلكون أيّ “حيثية”، وأنّهم إن دخلوا البرلمان، لن يكون لهم عدد نواب يتجاوز أصابع اليد الواحدة في أفضل الأحوال، فإذا بالنتائج تأتي “مفاجئة”، ليتخطّى عدد هؤلاء حجم بعض الكتل النيابية “المُعتبَرة” والتي لطالما كانت جزءًا من برلمانات ما بعد الطائف، بل “يطيحوا” في طريقهم بتمثيل بعض الأحزاب والقوى التقليدية.
لكن، رغم ذلك، يبدو أنّ “الغموض” يسيطر على “سيناريوهات” تعاطي نواب “التغيير” الجُدُد مع الخريطة البرلمانية، ومع مختلف الاستحقاقات المُنتظَرة، علمًا أنّ هناك من يتحدّث عن “اختلاف” بين هؤلاء النواب على بعض القضايا الجوهرية، ما يطرح سلسلة من علامات الاستفهام، فهل يعمد هؤلاء إلى تشكيل “كتلة موحّدة” يمكنها التأثير على القرارات، أم يبقون “مستقلّين” عن بعضهم البعض، بما يشبه سرديّة رفضهم إعلان “قيادة” لهم؟
تأثير موجود
في المبدأ، سواء “تموضع” نواب “التغيير” في كتلة واحدة منسجمة، أم بقوا “فرادى” يتحالفون “على القطعة” إن جاز التعبير، فإنّ الأكيد وفق ما يقول العارفون إنّ “تأثيرهم” سيكون حاضرًا في كلّ الاستحقاقات، ولا سيما أنهم أثبتوا عن “ثقل شعبي” يتمتّعون به، وأوصلوا رسالة واضحة إلى أحزاب المنظومة بأنّ هناك طرفًا ثالثًا أصبح شرعيًا، وبات من “الواجب” التعامل معه وفق مبدأ “الندية”، بعيدًا عن التقليل من شأنه، أو “تحجيمه”.
بالنسبة إلى المتابعين، فإنّ على القوى السياسية بناء على ما سبق أن “تحسب حسابًا” لهذه القوة الجديدة الناشئة، التي أثبتت حضورها في مناطق أساسيّة وكبرى، على غرار العاصمة بيروت، حيث تصدّرت اللوائح المتنافسة، ولكن أيضًا في بعض المناطق التي كانت “عصيّة” على الاختراق، كما هو الحال في الجنوب مثلاً، مع وصول نائبَين “تغييريَين” من خارج لوائح “الثنائي” في دائرة الجنوب الثالثة، عن حاصبيا ومرجعيون.
ويرى هؤلاء أنّ تأثير النواب الجدُد قد يكون أكبر من حجمهم، بمعزل عن طريقة “تموضعهم”، في العديد من الاستحقاقات، بالنظر إلى “تركيبة” البرلمان، الذي يفتقد إلى “أكثرية مطلقة” واضحة، بل يكاد يكون مجموعة “أقليات”، لن تستطيع الحكم بمفردها، وبالتالي سيكون لزامًا عليها التحالف مع قوى ومكوّنات أخرى، ما قد يضع “العين” على معسكر “التغيير” بالدرجة الأولى، الذين يمكن أن يتحوّلوا في هذه الحال إلى “بيضة قبان”.
الخشية الكبرى
بعيدًا عن هذا التأثير، لا يبدو حتى الآن أنّ نواب “التغيير” قد حسموا عمليًا مسألة “تموضعهم” في البرلمان الجديد، ولو أنّ بعضهم يعتبر “انسجامهم” من “البديهيات”، بالنظر إلى أنّهم “يتقاطعون” على الكثير من المسائل، بما يفوق ربما بعض الكتل “الحزبية”، وذلك على الرغم من “افتراقهم” في مقاربة العديد من القضايا أيضًا، بدليل خوضهم السباق الانتخابي أساسًا “مشتَّتين” على لوائح متباينة، ومتنافسة في بعض الأحيان.
لكنّ الخشية الكبرى التي يعبّر عنها المراقبون، إزاء الوضع الناشئ عن تركيبة البرلمان الجديد، فتكمن في أن يسود سيناريو “الفوضى والفراغ” المجلس كنتيجة لهذا الوضع غير المريح للعديد من القوى التي اعتادت أن تكون لها “الكلمة الفصل” في كلّ الملفات، بما يشبه إلى حدّ ما “السيناريو العراقي”، حيث لا تزال البلاد “أسيرة التجاذبات” بعد أشهر طويلة من انتخابات أفرزت مجلسًا مشابهًا لبرلمان لبنان، لا أكثرية فيه للقوى المؤيدة لإيران.
وأبعد من ذلك، ثمّة من يخشى من استحضار سلاح “الميثاقية” للتعويض، ولا سيما أنّ النواب الشيعة مثلاً في البرلمان جلّهم من “حزب الله” و”حركة أمل”، ما قد يسمح للثنائي بتوظيف الأمر لصالحه، بما يفوق سلاح “الأكثرية النيابية” نفسها، خصوصًا أنّ غياب النواب الشيعة عن أيّ جلسة من شأنه أن يُفقِدها “الميثاقية”، ولو تأمّن “النصاب”، وهو ما يقود إلى إشكالية كبرى، وجدل أكبر، حول “السيناريوهات” التي تنتظر البرلمان.
لا شكّ أنّ كلّ الأنظار تتوجّه إلى نواب “التغيير” للكثير من الاعتبارات والأسباب، من بينهم أنّهم “وافدون جُدُد” إلى البرلمان، لا يُعرَف حتى الآن أين سيتموضعون، وكيف سيقاربون مختلف المواضيع والقضايا، في ظلّ مخاوف تبدو “مشروعة” من “تعطيل” قد تكون البلاد مقدمة عليه في حال الانقسام، مع ما يعنيه ذلك من “دمار” لبلد مقدم على استحقاقات كبرى، اقتصاديًا وماليًا وسياسيًا، في ظلّ الانتخابات الرئاسية المنتظرة.