بقلم جو لحود
ذهب “التيار الوطني الحرّ” بعيدا جدا في محاولة توصيفه للعهد الرئاسي الذي انطلق بعد فراغ طويل والذي توّج عبره العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية اللبنانية.
فمصطلح “العهد القوي” وكما بات يعلم الجميع انقلب بطريقة سلبية على مطلقيه بدل ان يؤدي دوره الايجابي والترويجي الذي كان مطلوبا منه عند اطلاقه.
وقد تكون الممارسة التي شهدتها رئاسة الجمهورية خلال الولاية الحالية، دليلا واضح على أهمية المرونة والانفتاح اللتين لا بد من ان يتحلى بهما رئيس الجمهورية فيتمكن من خلالهما من التواصل بايجابية مع مختلف مكونات المجتمع اللبناني ومع مختلف الدول القريبة والبعيدة، فيشكل من خلال عهده وولايته منصة تلاق تصب في صالح لبنان وشعبه وثرواته وأرضه.
فالرئيس عون الذي تميّز بحصوله على كتلة نيابية وازنة واخرى حكومية مثيلة لها، والذي يحتسب له اقدامه على استخدام بعض الصلاحيات الدستورية التي لم يلجأ اليها اي رئيس ما بعد الطائف، وجد نفسه في نهاية عهده غير قادر على المضي بغالبية القرارت التي اتخذها.
وهنا وبعيدا عن الزواريب السياسية الضيقة وغير الضيقة، لا بد من التساؤل عن الدور الفعلي لرئيس الجمهورية في ظل دستور “الطائف” حتى يتمكن من تمرير ولايته بنجاح .
الرئيس ما قبل الطائف
في هذا الاطار، قدم الاستاذ المحاضر في القانون في كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة القديس يوسف الدكتور رزق زغيب، شرحا سريعا عبر “لبنان 24” عن الاختلافات الدستورية على صعيد الصلاحيات بين رئيس الجمهورية ما قبل الطائف وما بعده معتبرا ان “الدور الذي يؤديه رئيس الجمهورية تغيّر بشكل جذري ما بعد التسعينيات وتحديدا ما بعد أيلول 1990 اي ما بعد تعديل الدستور وبداية العمل بالنصوص التي اتفق عليها في (الطائف).
فرئيس الجمهورية وبموجب المادة 17 من الدستور، كان يتولى السلطة الاجرائية، اي بمعنى ان الصلاحيات التنفيذية على اختلافها كانت تحت سيطرته بمعاونة الوزراء، اذ انه يتولى السلطة الاجرائية لكنه في الوقت عينه يحتاج الى توقيع الوزراء على مختلف القرارات التي يتخذها بالاضافة الى توقيع رئيس الوزراء، وذلك وفقا للعرف الذي كان سائدا انذاك”.
وأضاف” لكن وعلى الرغم من ان المادة 17 من الدستور اعطت حيزا للوزراء ورئيس الوزراء، بقي التشظي الحاصل في البرلمانات النيابية وانقسامها الى عدة كتل نيابية، فضلا عن مدة ولاياتها (4 سنوات) والتي هي اقل بسنتين من ولاية رئيس الجمهورية ( 6 سنوات)، سببا رئيسيا لعدم ممارسة الضغط على رئيس الجمهورية أكان من قبل مجلس النواب أو مجلس الوزراء، لا بل كان يتبع الجميع سياسة مسايرة رئيس الجمهورية لأهداف متعددة وكثيرة.
انطلاقا من هنا يمكن القول ان رئيس الجمهورية قبل الطائف كان ملكًا غير متوج ،مسيطرا فعليا على ولايته وعهده، فهو سيد العهد الذي لا يمكن ان يكسر الا اذا تكتلت في وجهه طائفة وازنة بكاملها لا سيما طائفة رئيس الوزراء ،شريكه في السلطة التنفيذية، الا ان هذا الاحتمال يمكن وضعه في خانة الاستثناء لا القاعدة خلال مختلف العهود التي سبقت اتفاق الطائف”.
الرئيس ما بعد الطائف
وأكد زغيب ان العهود الرئاسية ما بعد ا(تفاق الطائف) لا تشبه العهود التي سبقتها، فمع الطائف انتقلت السلطة الاجرائية والتنفيذية الى مجلس الوزراء مجتمعا ورئيس الجمهورية تحوّل دوره من حاكِم الى حَكَم، وقد تكون الصلاحيات التي منحت له في الطائف ادنى من الصلاحيات التي يجب ان يحصل عليها اي حكم حتى يتمكن من اداء دوره ووظيفته بشكل صحيح.
ورئيس الجمهورية في نظام الطائف وعلى سبيل المثال لا الحصر لا يمكن له ان يحلّ مجلس النواب وصلاحياته مقيدة بشكل كبير جدا، فهو يرأس مجلس الوزراء، الذي تتفاوت مدى مشاركته الفعلية في تأليفه بتفاوت الاشخاص والظروف، متى شاء، لكن لا يمكنه ان يصوت على القرارت التي يتخذها المجلس، بالاضافة الى ان قرارات مجلس الوزراء تصبح نافذة اذا اصرّ عليها المجلس بعد 15 يوما ودون الحاجة الى توقيع رئيس الجمهورية”.
وبالتالي، من الواضح جدا ان الصلاحيات المنوطة برئاسة الجمهورية تراجعت جدا مع اتفاق الطائف والاعتماد في كل ولاية رئاسية جديدة يكون على شخص الرئيس وعلى قدرته على التعاطي مع مختلف الأفرقاء في الداخل والخارج، كما على الدعم الذي يتلاقاه حتى يتمكن من لعب دور معين وترك بصمة ايجابية في الحياة السياسية والوطنية بشكل عام.