بقلم عقل العويط
تدخل البلاد قريبًا ضمن المهلة الدستوريّة التي يحدّدها “الكتاب” لانتخاب رئيسٍ جديدٍ للجمهوريّة، قبيل انتهاء ولاية الرئيس الشاغل الرئاسة.
في الدستور، الرئيس، رئيس الجمهوريّة، هو رئيسٌ للبلاد، مؤتَمَنٌ عليها، بما هي بلادٌ، وجمهوريّةٌ، ودولةٌ، وأرضٌ، وحدودٌ، وشعبٌ، وتاريخٌ، وإرثٌ، ومستقبلٌ، ومعنى.
هو هذا كلُّهُ، معًا وفي آنٍ واحدٍ. فكيف – وهو كلٌّ – يوصَف ببعضٍ، أو بجزءٍ، أو بصفة؟ أي : كيف يكون ضعيفًا أو قويًّا؟ وكيف يكون أكثريًّا أو أقلّيًّا؟ وكيف يكون لحزبٍ، لفريقٍ، لطرفٍ، لطائفةٍ، لمذهبٍ، لمنطقةٍ، لمحورٍ إقليميٍّ أو دوليٍّ؟
الرئيس في هذا كلِّهِ، ووفقًا لنصّ “الكتاب”، ولمنطقه استطرادًا، ليس للمسيحيّين الموارنة حصرًا، ولا منهم – إلّا بالشوق المعتقديّ الروحيّ، وعرفًا.
والرئيس في “الكتاب”، يختلف جوهريًّا وعضويًّا وبنيويًّا عن الرؤساء الآخرين، لأنّه يرأسهم. فكيف يرأسهم إذا كان سواسيةً معهم، إذا كان يوازيهم، أو “يتقاسم” مؤسّسات السلطة (والبلاد؟!) وإيّاهم، ويخضع انتخابه لمعايير انتخابهم وتكليفهم؟
هو، وحالُ رئاسته هي هذه، رئيسهم بالطبع والبداهة، كما رئيسهم بالدستور والقانون. وهو مختلفٌ عنهم، ومتقدّمٌ عليهم، لأنّهم رؤساءٌ لمجالسَ حصرًا، أي لبعضٍ من مؤسّسات البلاد، وليس لهم صفة “الدولة” إلّا من حيث كونهم يشغلون – حصرًا – رئاسة مجلسٍ من مجالسها، أو مؤسّسةٍ دستوريّةٍ من مؤسّساتها.
الرئيس هو الرئيس، رئيس البلاد والدولة والمؤسّسات. ليس له شريك. لا زيادة تُزادُ على الصفة، ولا نقصان ينتقص منها. يجب، والحال هذه، “تحرير” الرئاسة تحريرًا نهائيًّا من خطأ التعامل والاستخدام، وممّا آلت إليه بصيرورتها رئاسةً بين رئاسات (ثلاث).
لماذا أكتب هذا المقال الذي – أعلاه – يتضمّن معلوماتٍ مبسّطةً وبديهيّةً ومعروفةً ومتعارَفًا عليها؟
أكتبه لسببٍ وحيدٍ، أعتقده خطيرًا وجوهريًّا وضروريًّا للغاية، وليس ساذجًا ولا مبسّطًا البتّة.
السبب، هو أنّ البلاد برمّتها على المحكّ، بما هي بلادٌ، وجمهوريّةٌ، ودولةٌ، وأرضٌ، وحدودٌ، وشعبٌ، وتاريخٌ، وإرثٌ، ومستقبلٌ، ومعنى.
فإذا كان مصير هذه البلاد موضعَ ريبةٍ والتباسٍ وشكٍّ، في اللحظة الإقليميّة والدوليّة هذه، البالغة التعقيد، بل موضعَ تجاذبٍ وتقاسمٍ واستئثارٍ واستيلاءٍ وغلبة. بل أكثر: موضعَ سؤالٍ حول جدوى استمرارها أو عدم استمرارها، حول وجودها أو عدم وجودها، فكيف لا أكتب مقالًا كهذا عن استحقاق الرئاسة فيها، إذا كان الجدال السائد والمحتدم بين الأطراف والأحزاب والفرق والطوائف والمذاهب والمحاور يتلخّص بأيٍّ رئيسٍ نأتي به – الآن – ليكون رئيس هذه البلاد للسنوات الستّ المقبلة؟
أنأتي به ممثّلًا لمحورٍ إقليميٍّ أو دوليّ، أو متأثّرًا به، أو ألعوبةً في يديه؟
أنأتي به قويًّا بمعنى كونه يمثّل أكبر كتلةٍ نيابيّةٍ مسيحيّة؟
أنأتي به لكون أكبر “شراكةٍ مسيحيّةٍ – إسلاميّةٍ” (أكبر عدد من النوّاب) تلتفّ حوله، على غرار الطريقة التي تتألّف فيها “حكومات الوحدة الوطنيّة” الكاذبة؟
جوابًا عن الأسئلة الثلاثة أعلاه هذه، أتريدون أنْ أسمّي لكم مرشّحين للرئاسة بهذه المعايير (أو مَن ينوب منابهم صفًّا ثانيًا وثالثًا وإلى آخره) من شأنهم أنْ يواصلوا فصول الكارثة المأسويّة القائمة في أبعادها كافّة؟
أنأتي به رئيسًا ضعيفًا، بمعنى كونه ليس منتميًا إلى حزبٍ إلى تيّارٍ إلى كتلةٍ نيابيّةٍ إلى فريقٍ سياسيٍّ إلى محورٍ…، فيكون فريسةً في أفواه الوحوش أعلاه، أو دميةً، أو حجرًا على لوحة شطرنجهم؟
أنأتي به يُضمِرُ عكس ما يُظهِرُ من الأفكار والمواقف والمعايير والقيم والأخلاقيّات، بحيث يحسن القفز البهلوانيّ بين الهنا والهناك والهنالك؟
… أم تريدون رئيسًا – يعقل – هذا كلّه (بقوّة العقل والحكمة وسلطانهما)، ويعيه، ويستوعبه، ويتبصّر فيه، ويكون رئيسًا للبلاد، كلّ البلاد، ويكون رئيسًا فوق الرؤساء والأحزاب والفرق والتيّارات والطوائف والمذاهب والمحاور، ويكون رئيسًا باسم “الكتاب”، مؤتَمَنًا على “الكتاب”، وقويًّا به، لا متلاعبًا به، ولا مستغلًّا إيّاه؟
قد يكون الاستحقاق الرئاسيّ الداهم، قد يكون فرصةً أخيرةً لانتخاب رئيسٍ كهذا الرئيس العاقل، القوّي بعقله وحكمته، والقويّ بـ”الكتاب”. وإلّا على الرئاسة، بل على لبنان السلام.