عقل العويط : “بلِّطوا البحر” يقول الطاغية

بقلم عقل العويط

لا حقّ، ولا حقيقة، ولا قضاء، ولا محاكمة، ولا أحكام، ولا مَن يحزنون، في مسألة الرابع من آب 2020. أعجبكم ذلك أم لم يعجبكم. مَن يريد أنْ يبلّط البحر، فليبلّط البحر.

وعليه ( يقول قائلٌ سورياليٌّ في البلاد السورياليّة )، سأحيل – بمفعولٍ رجعيّ – ضحايا تفجير مرفأ بيروت على المحاكمة. لن أستثني الموتى، والجرحى، والمعوقين، والمتضرّرين المادّيّين والمعنويّين. وكلّ مَن يمتّ إلى هؤلاء بصلةٍ مباشرة وغير مباشرة.

بتهمة أنّهم قُتِلوا من جرّاء هذا “الحادث”، ولأنّهم مرّوا من هناك، وكانوا هنا وهناك.

كان ينبغي لهؤلاء أنْ يموتوا، أنْ يُقتَلوا، أنْ يتفجّموا، ويتبعثروا، ويتشظّوا، ويتفحّموا، ويتشلوَطوا، ويندثروا، لأسبابٍ أخرى. ذنبُهم على جنبهم، لأنّهم لم يموتوا قَبْلًا، أو بَعْدًا، في أمكنةٍ أخرى، ولأسبابٍ أخرى. فليتحمّلوا مسؤوليّة هذا الذنب.

ما دمتُ حاكمًا بأمري ( يقول القائل السورياليّ في البلاد السورياليّة )، فسأصدر مذكّرةً قضائيّةً تسمح بالتحرّي والبحث والاستقصاء عنهم. وسيؤتى بهم إلى المحاكمة، جلبًا، بالقوّة أو طوعًا. أمّا الذين لن يُعثَر على أيّ أثرٍ لهم ( لأنّه لم يبقَ منهم أثرٌ يُذكَر )، فسيحاكَمون غيابيًّا، وستُلفَظ الأحكام في حقّهم “باسم الشعب اللبنانيّ”، كما هو معمولٌ به.

على أنْ لا يكون ثمّة استئنافٌ في الأحكام، ولا تمييز. أحكام مبرمة.

علمًا أنّ “الحادث”، حادث الانفجار الذي وقع في العنبر 12 في مرفأ بيروت، عند الساعة السادسة وسبع دقائق من دغشة الرابع من آب 2020، لم يكنْ تفجيرًا مقصودًا، بل محض قضاءٍ وقَدَر.

أو هو محضُ تواردٍ في توقيت الأفكار والخطط وإجراءات التنفيذ لدى طرفَين، طرفٍ هنا وطرفٍ هناك. أو محضُ احتكاكٍ بريٍء غير مقصودٍ بين جسمَين. أو محضُ سوءٍ في التقدير. وربّما غلطٌ كونيٌّ في أمزجة الأجرام والكواكب وتوازناتها وإيقاعاتها.

الغلط ( أو الإثم ) أكان بشريًّا أم كونيًّا، لا فرق كبيرًا بين الإثنين. مَن منّا معصومٌ من الغلط و… الإثم ؟! فكيف إذا كان عَرَضيًّا، كهذا الإثم العَرَضيّ ؟!

ويقول القائل السورياليّ في البلاد السورياليّة : ينبغي وقف هذه المهزلة، مهزلة البكاء على الأطلال والجثث والأشلاء المتناثرة أو المتفحّمة أو المختفية، التي يزعم الأهالي والأحرار والثوّار وجماعات حقوق الإنسان أنّها عملٌ مقصودٌ ومدبّر، بل مأساة، بل جريمة عصر، بل جريمة ضدّ الإنسانيّة.

لا شيء يستدعي هذا الافتعال ( يقول القائل )، هذا الصخب، هذه الضوضاء. محض “حادثٍ” عَرَضيّ فحسب، وإنْ حسبتموه شبيهًا بقنبلةٍ ذرّيّة، وموازيًا لها.

خلص بقا. دعو الموتى يدفنون موتاهم. ودعوا الحكّام يحكمون. دعوهم ينامون ملء جفونهم، ويستيقظون ملء سعاداتهم المفرطة. حرامٌ أنْ تقضّوا أحكامهم ومضاجعهم ومواجعهم. حرامٌ أنْ تقلقوا راحاتهم ومشاغلهم. أمورنا المصيريّة، مَن يتولّى أمورنا المصيريّة إذا هم أصابتهم مصيبة، أو حلّت بهم داهية؟!

يقول القائل الطاغية : بلِّطوا البحر، إذا بتقدروا تبلّطوا البحر.

…ربّما يجب أنْ يتلقّى جوابًا مناسبًا!

اخترنا لك